ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[09 - 03 - 09, 12:13 م]ـ
جابر بن زيد:
هو جابر بن زيد الأزدي اليحمدي، أبو الشعثاء الجوفي (وقيل الخوفي) البصري أصله من عُمان وقيل من البصرة، الإمام الثقة الفقيه، من التابعين، ولد سنة إحدى وعشرين (21هـ) وتوفي سنة ثلاث وتسعين (93هـ)، يعد من أوائل المشتغلين بتدوين الحديث؛ حيث صحب ابن عباس وروى عن عكرمة وابن عمر ومعاوية وعبد الله بن الزبير وغيرهم، وأخذ عنه عدد لا بأس به من المحدثين والحفاظ منهم: أيوب السِّختياني وعمرو بن دينار وقتادة بن دعامة، أثنى عليه ابن عباس حيث كان يقول: "لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علما من كتاب الله"، وكان يقول عنه: "هو أحد العلماء"، وكذلك نعته ابن عمر.
وروى ابن عبد البر (جامع بيان العلم وفضله، ص: 775): "… [عن] عمرو بن دينار عن جابر بن زيد أنه قيل له: يكتبون رأيك، قال: يكتبون ما عسى أن أرجع عنه غدا".
انتحال الإباضية لجابر والردّ عليهم:
انتحله الإباضية، وزعموا أن مُسنِدَهم الربيع بن حبيب أخذ عن أبي عبيدة عنه، وقال الشمّاخي الإباضي عنه بأنه أصلُ المذهب وأسُّه الذي قامت عليه آطامه، وهو من ذلك براء؛ قال البخاري (التاريخ الكبير: 2/ 2202): "قال لنا علي [ابن المديني]: حدثنا سفيان [ابن عيينة]، قلت لعمرو [ابن دينار]: سمعتَ من أبي الشعثاء [جابر بن زيد] من أمر الإباضية شيئا مما يقولون؟ فقال: ما سمعت منه شيئا قط، وما أدركت أحدا أعلم بالفتيا من جابر بن زيد، ولو رأيته قلتَ لا يحسن شيئا".
هذا سند صحيح لا غبار عليه، وعمرو بن دينار من الملازمين لشيخه جابر بن زيد وأثبت الناس فيه.
وجاء في "تهذيب الكمال" للمِزّي (4/ 436): "قال داود بن أبي هند عن عزرة: دخلت على جابر بن زيد فقلت: إن هؤلاء القوم ينتحلونك - يعنى الإباضية - قال: أبرأ إلى الله من ذلك".
فهذا خبر الرجل عن نفسه صريحٌ فصيح، لا يداخلك شك في ذلك، ولا تلتفت لروايات المُخبرين الواصفين فقد يتوهمون أو يحكمون بالظن؛ حيث جاء في "تهذيب التهذيب" لابن حجر (2/ 38) وفي "الكامل" لابن عدي (4/ 71): "وفي الضعفاء للساجي عن يحيى بن معين: كان جابر إباضيا، و عكرمة صفريا" اهـ، وكذلك قالوا عن عكرمة مولى ابن عباس أنه كان إباضيا وقيل صفريا وقيل بيهسيا يرى السيف، رُوي ذلك عن ابن لهيعة وابن معين وابن بكّير وابن المديني وعطاء وأبي مريم وأحمد وخالد بن أبي عمران ومصعب بن عبد الله الزبيري وقيل عن مالك، ونفى ابن معين في رواية جعفر بن أبي عثمان الطيالسي أن يكون عكرمة صفريا واتهم من قال بذلك، وكذلك قال العِجْلي والبخاري وغيرهم، وقال ابن حجر: "لا تثبت عنه بدعة"، حتى قيل: "من رأيته يذكر عكرمة بسوء فاتهمه على الإسلام".
هذا من آفات الأخبار، يزيد الرواة فيها ما يوافق أهواءهم؛ فلقد نسب إلى رأي الخوارج طوائف من الأشراف والفقهاء كمالك بن أنس البصري (غير المدني الإمام)، والحسن البصري وغيرهم.
وزعم الإباضية أن جابر بن زيد سمع من أبي سعيد الخدري، بل جل مسند الربيع بن حبيب الإباضي من طريق جابر عن أبي سعيد، وهذا لا يثبت؛ حيث لم يثبت له سماع من الصحابة إلا من ابن عباس، وابن عمر (قاله مسلم في الكنى)، وعبد الله بن الزبير (روى له البخاري والترمذي)، ومعاوية بن أبي سفيان (البخاري والترمذي)، والحكم بن عمرو الغفاري (البخاري وأحمد)، وعائشة وأنس (قاله في تهذيب التهذيب).
كما أن كلَّ من كِناهم "أبا الشعثاء" من التابعين لا يتعدون أربعة: بشير بن نهيك السدوسي، وسليم بن أسود بن حنظلة، وجابر بن زيد، وآخر مجهول روى عن عكناء (أو عكثاء) بنت أبي صفرة أخت المهلب، كلهم لم يروِ عن أبي سعيد، كما أنه لم يسمع من أبي سعيد أحد كنيته "أبو الشعثاء"، أو اسمه جابر سوى الصحابي ابن عبد الله رضي الله عنه.
ولم نجد من روى عن جابر بن زيد من الخوارج سوى أبي الحر علي بن الحصين البصري، وهو ممن لا يحتج بهم (لسان الميزان لابن حجر: 4/ 593).
وربما يتعلق الإباضية بجابر لكونه سكن عُمَان بعد أن نفاه إليها الحجاج بن يوسف، لكن قيام مذهب الإباضية الفقهي على جابر من خلال تلاميذه في عمان لا يعني أنه إباضي كما هو ظاهر.
احتمال وجيه:
¥