وقد تنبه إلى هذا الحقيقة أحد الباحثين المعاصرين، وهو الشيخ العلامة عبد الرحمن بن يحيى اليماني رحمه الله، فقال في كتابه الفذ المبارك التنكيل ما نصه: (1/ 264) 0" وقد كان ابن عيينة أشهر من نار على علم، فلو كان اختلط الإختلاط الإصطلاحي لسارت بذلك الركبان، وتناقله كثير من أهل العلم، وشاع وذاع، وهذا جزء:" محمد بن عاصم "0سمعه من ابن عيينة في سنة سبع، ولا نعلم أنتقدوا منه حرفاً واحداً، فالحق أنَّ ابن عيينة لم يختلط، ولكن كبر سنه فلم يبق حفظه على ما كان عليه، فصار ربما يخطىء في الأسانيد التي لم يكن قد بالغ في إتقانها كحديثه عن أيوب، والذي يظهر أنَّ ذلك خطأ هينٌ و لهذا لم يعبأ به أكثر الأئمة ووثقوا ابن عيينة مطلقاً "0
4 – ثمَّ إنَّ ابن عيينة لعلمه وورعه وإنصافه، هو الذي نبه النَّاس إلى هذا التغير في حفظه، فقد أخرج أبو سعيد بن السمعاني في ذيل تاريخ بغداد – كما قال الحافظ في التهذيب4/ 106 – بسند قوي له إلى عبد الرحمن بن بشر بن الحكم قال: سمعتُ يحيى بن سعيد يقول: قلت لابن عيينة: كنتَ تكتبُ الحديث وتحدث اليوم وتزيد في السند، أو تنقص منه، فقال: عليك بالسماع الأول فإنَّي قد سننت- أي كبرت0
5 - وعلى فرض ثبوت الإختلاط، فإنّه ليس فيه حجة في رد أحاديثه، أو التوقف في تصحيحها، ذلك لأنَّه من المعروف أنَّ تغير حفظ ابن عيينة – أو اختلاطه - لم يطل طويلاً، فقد توفي ابن عيينة على الصحيح في أول شهر رجب سنة198 ذكرذلك الحافظ في التهذيب: (4/ 106) 0
وما ذكره الحافظ ابن الصلاح من أنَّه توفي بعد اختلاطه بسنتين، فهو مردود، وفي ذلك يقول الأبناسي في الشذا الفياح ما نصه: (2/ 786) 0" قوله – أي ابن الصلاح - أنَّه بقي نحو سنتين، هذا بناء على ما صححه في وفاته أنَّها تسع، وإلاَّ فالمشهور سنة ثمان، فتكون مدة اختلاطه نحو سنة لأنّ وفاته كانت يوم السبت أول شهر رحب سنة ثمان وتسعين، قاله محمد بن سعد وابن زبر وابن حبَّان "0وانظر كلام الحافظ العراقي حول هذه المسألة في التقييد والإيضاح: (ص459) 0
فهذا يعني أنَّه لم يثبت أنَّه حدَّثَ زمن تغيره، إلاَّ ما كان من محمد بن عاصم، فقد قرأ عليه جزء، وفي ذلك يقول الحافظ الذهبي في الميزان: (2/ 171) 0" و سمع منه فيها - أي سنة98 - محمد بن عاصم صاحب ذاك الجزء العالي، ويغلب على ظني أنَّ سائر شيوخ الأئمة الستة سمعوا منه قبل سنة سبع، فأمَّا سنة ثمان وتسعين ففيها مات ولم يلقه أحدٌ فيها، لأنَّه توفي قبل قدوم الحاج بأربعة أشهر "0
قلت: ومع ذلك لم ينتقد أحدٌ من أهل العلم حرفاً من هذا الجزء على محمد بن عاصم – كما قال ذهبي هذا العصر الشيخ عبد الرحمن اليماني كما نقلنا كلامه منذ قليل – وهذا إن دلَّ على شيء فإنَّما يدل دلالة واضحة إلى عدم تأثر مرواياته بهذا التغير الذي طرأ على حفظه، فكيف يتهم بالاختلاط أصلاً، وهو لم يتغير التغير الذي يؤثر على مروياته00؟؟ 0
6– ولو توقفنا عن تصحيح الأحاديث التي يرويها ابن عيينة، لهذا العذر، فإنَّه لا تسلم لنا الكثير من أحاديثه، ذلك أنَّ أغلب الذين رووا عنه لا نعلم على وجه الجزم متى رووا عنه، أكان ذلك قبل سنة197 أم بعد، والذين قالوا باختلاطه لم يبينوا لنا:" من سمع منه في سنة سبع وتسعين وما بعدها "0انظر التقييد والإيضاح للحافظ العراقي: (ص459) 0
لذا لا يصح هذا التوقف في تصحيح حديثه إذا كان الراوي عنه ثقة، بحجة أننا لا نعلم متى روى عنه قبل هذا التاريخ أم بعده، ولم نسمع أنَّ أحداً من النقاد ردَّ حديثه أو توقف عن تصحيحه لهذه العلة ذلك لأنَّه رحمه الله:" حجة مطلقاً و حديثه في جميع دواوين الإسلام "0كما قال الحافظ الذهبي رحمه الله0
¥