أمَّا الجواب على الشق الثاني، من كلام الباحث الغامدي، وهي دعوى التوقف عن تصحيح أحاديث سفيان بن عيينة، بحجة أننا لا ندري متى روى عنه الراوي، فهذا من أعاجيب هذا العصر، والجواب على هذا الأمر، يحتاج منَّا إلى الإطالة بعض الشيء، لأنَّ الذب عن مرويات هذا الإمام الجليل قربة وعبادة لله، لأنَّه لو فُتِحَ هذا الباب لرُدَّت الكثير من أحاديث هذا الإمام الجهبذ بهذه الحجة الواهية، كما سنبين ذلك لاحقاً بإذن الله تعالى، ويمكن حصر نقاط الرد على هذا الشق بالوجوه التالية:
الأول: إنّ أول من رمى ابن عيينة بالاختلاط هو يحيى بن سعيد القطَّان رحمه الله تعالى، فقدر روى عنه محمد بن عبد الله بن عمَّار أنَّه قال:" اشهدوا أنَّ سفيان بن عيينة اختلط سبع وتسعين و مائة فمن سمع منه فيها فسماعه لا شيء "0 وكل من قال باختلاط ابن عيينة من بعده إنَّما اعتمد على مقولة ابن القطَّان هذه0
والحقيقة أنَّ الذهبي قد ردَّ هذا الكلام، وأنكر أن يكون ابن عيينة قد اختلط، فقال رحمه الله في كتابه سير إعلام النبلاء: (8/ 465) 0" فأمَّا ما بلغنا عن يحيى بن سعيد القطَّان أنَّه قال: اشهدوا أنَّ ابن عيينة اختلط سنة سبع وتسعين و مئة، فهذا منكر من القول، ولا يصح ولا هو بمستقيم، فإنَّ يحيى القطَّان مات في صفر من سنة ثمان وتسعين مع قدوم الوفد من الحج، فمن الذي أخبره باختلاط سفيان، ومتى لحق أنَّ يقول هذا القول وقد بلغت التراقي00؟؟ 0وسفيان حجة مطلقاً وحديثه في جميع دواوين الإسلام "0فهذا هو الصواب في هذه المسألة 0
وأمَّا ما يمكن أن نعتبر أنَّ الحافظ الذهبي قد تراجع بعض الشيء عن قوله هذا، عندما قال في الميزان: (2/ 171) 0" فلعلَّه بلغه – أي بلغ يحيى بن القطان إختلاط ابن عيينة – في إثناء سنة سبع "0 وتعليق الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الكلام في التهذيب بقوله: (4/ 106) 0" وهذا الذي لا يتجه غيره لأنَّ ابن عمَّار – وهو راوي خبر الإختلاط عن يحيى القطان – من الاثبات المتقنين، وما المانع أن يكون سعيد سمعه من جماعة ممن حج في تلك السنة واعتمد قولهم، وكانوا كثيراً فشهد على استفاضتهم"0
قلت: وفي هذا الكلام نظر، والرد عليه من وجهين:
أ - قلنا فيما مضي أنَّه لم يلتقِ بابن عيينةأحد ممن حج هذه السنة، ذلك لأنَّه مات قبل موسم الحج بأربعة أشهر، كما قال الذهبي رحمه الله0
ب - ثمَّ إنَّ هذا تجوز واحتمال وافتراضات لا نملك آلية أثباتها، ثمَّ إنَّه - على فرض ثبوت ذلك – يجب علينا أن نعرف أسم هذا الذي روى يحيى القطان هذا الخبر، حتى نقف على حاله من الضبط والثقة و الفهم، فربما نقل خبر تغير حفظ ابن عيينة - وهذا هو الثابت كما سنرى - على أنَّه إختلاط، فيكون بذلك خلط بين التغير للشيخوخة – الذي لا يسلم منه إنسان – وبين الإختلاط بالمعنى الاصطلاحي، وهو لا يدري0
وإلاَّ لا مناص أمامنا من اعتماد قول الذهبي في تخطئة ابن عمَّار هذا – وإن كان من المتقنين – في روايته خبر إختلاط ابن عيينة عن يحيى بن سعيد القطّان، ذلك أنَّه لا يكاد يسلم من الخطأ والوهم إنسان0
2 - والذي ثبت أنَّ ابن عيينة قد تغير حفظه بعض الشيء، عندما كبر - وهذا موضع اتفاق بين العلماء - وفي ذلك يقول الحافظ ابن حجر نفسه في التقريب: (1/ 371) 0" ثقة حافظ فقيه إمام حجة إلاَّ أنَّه تغير حفظه بآخرة "0وهذا هو الصواب في هذه القضية، فابن عيينة قد تغير حفظ لمَّا كبر وشاخ، وشتان بين التغير والاختلاط، وفي ذلك يقول الحافظ الذهبي – وهو يفرق بين الحالتين – في السير ما نصه:" (6/ 35) 0
" فإنَّ الحافظ قد يتغير حفظه إذا كبر، وتنقص حدة ذهنه، فليس هو في شيخوخته كهو في شبيبته، وما ثمَّ أحدٌ بمعصوم من السهو والنسيان، وما هذا التغيير بضار أصلاً، وإنَّما الذي يضر الإختلاط "0
3– ثمَّ إنّه ربما أنََّ ابن القطًَّان لتعنته في الرجال - وقد و صفه بذلك الحافظ الذهبي في الميزان: (2/ 171) - جعل هذا التغير في حفظ ابن عيينة، اختلاطاً 0
أو إنَّ الذي نقل إلى يحيى القطَّان هذا الخبر – على فرض أنَّ أحداّ نقله له كما ذهب إلى ذلك ابن حجر - لم يميز بين الحالتين، كما ميز الحافظ الذهبي وغيره من الحفاظ بين الحالتين، فجعل مجرد التغيير الذي طرأ على حفظ ابن عيينة إختلاطاً0
¥