وهذا يدل عليه قصة إبراهيم عليه السلام عندما قال " ولكن ليطمئن قلبي " فما عيب هذا على إبراهيم عليه السلام، فهو مؤمن إيمانا كاملا ومطمئن قلبه على أن الله قادر على إحياء الموتى لكن لما كان متيسرا ومتوفرا له أن يزداد يقينا رغب في زيادة اليقين، ففي بعض الأحيان يكون توفر وسائل النقد متيحا للإنسان أن يتشدد، وعدم توفر مسائل النقد لا تتيح لهذا التشدد، لكن لا تعني أنه سيقبل ما لا يستحق القبول، فأنت لو قبلت خبر هذا الشخص الذي أخبرك على باب المنزل قبلت خبر عدل، لكن نفسك لا تطمئن حتى تزداد لأنه يتيسر لك وسيلة التثبت والتأكد
فتوفر وسائل النقد والتشديد فيها هذا يجعلك لا تطمئن حتى تطبق هذه القواعد الصعبة، وعدم توفرها يجعلك تكتفي بالقواعد الدالة على القبول لكنها أخف في التثبت والتحري
ندخل الآن في صلب الموضوع فنقول: متى يطبق منهج نقد السنة النبوية على روايات التفسير؟
وأنا أقول: منهج نقد السنة النبوية، ولا أرضى أن أقول المنهج الحديثي أو منهج أهل الحديث لِمَ؟ لأن اهل الحديث أدرى الناس بالتفريق بين مناهج قبول المنقولات، ونص على هذا ابن مهدي والخطيب البغدادي وغيرهم، وهذا التفريق حتى في الأحاديث النبوية في مناهج قبولها
فليست كلها على منهج واحد كما ذكرنا في تفريقهم بين أحاديث الحلال والحرام وأحاديث الفضائل.
فهم كانوا يعرفون هذا، لا يصح أن نقول نطبق منهج أهل الحديث على التاريخ أو لا، بل نقول منهج نقد السنة النبوية على هذا العلم أو لا
يطبق منهج نقد السنة النبوية على روايات التفسير في أربعة حالات:
1) الأحاديث المرفوعة إلى النبي صراحة؛ لأنها أحاديث نبوية فلا بد من التثبت لها وتطبيق منهج نقد السنة النبوية عليها.
2) ما له حكم الرفع كأسباب النزول والناسخ والمنسوخ، وما خرج عن القراءات العشر المقروء بها، فإذا أردت أن أثبت قراءة شاذة فلا بد من تطبيق منهج المحدثين عليها، لأني أزعم أن النبي كان يقرا بهذه القراءة مع أن الظاهر أنه موقوف على الصحابي، لكن لأنه لا مجال للاجتهاد في القراءات، فعندما أقول قراءة ابن مسعود مثلا بكذا معناه أن النبي أقرأ ابن مسعود بكذا، يعني مثلا رواية البخاري " والذكرِ والأنثى " لا شك عندي أن النبي أقرأ ابن مسعود بهذه القراءة، لكن كونها يقرأ بها أو لا فهذا مما يطبق عليه شروط القراءة الثلاثة المعروفة.
3) ما كان له حكم الرفع من آثار التابعين، فالمرفوع لا يشترط فيه الاتصال، فالمرسل مثلا مرفوع لكنه ليس متصلا، يعني لما نقول: قال سعيد بن المسيب قال النبي عليه الصلاة والسلام فهذا مرفوع، فلا تناقض بين أن يجمع الحديث بين وصف الإرسال وبين وصفه بأنه مرفوع، فالرفع لا يشترط له إلا مجرد نسبة الكلام إلى النبي r ، أو أن ينتهي السند إلى النبي r
أيضا التابعين إذا رووا شيئا له حكم الرفع كأسباب النزول، فمثل هذا التابعي يدعي شيئا ما أدرك زمنه، فلا بد ان يطبق عليه منهج المحدثين إلى التابعي، فيكون الحديث مرسلا، لِمَ نقول هذا؟ لأنه إذا ثبت عن هذا التابعي وتكرر عن غيره من التابعين فيمكن أن يرتقي ويصبح حديثا مقبولا مثل شروط المرسل تماما، فالمرسل إذا تعددت وجوه روايته واختلفت وجوه مخرجه قد نقبله، يعني مثلا: الحسن البصري في المدرسة البصرية يروي سبب نزول مرسلا هكذا، وأحد تلامذة أبي بن كعب أو المدرسة المدنية يروي سبب نزول، وواحد من المدرسة المكية مجاهد أو عكرمة يروي نفس السبب، فيتفقون جميعا، لا أشك أن هذا صحيح، فتتابعهم جميعا وكون مدارسهم مختلفة يدل على أنه متلقى من وجه صحيح، فما يتصور أنهم كلهم سمعوه من ضعفاء وما إلى ذلك، فتعدد وجوه النقل في سبب النزول وإن كان عن تابعين يجعلنا نثق بصحة سبب النزول، وكذلك النسخ والقراءات، وهذا هو نفس منهج قبول المرسل عند المحدثين.
4) إذا أردت أن أثبت نسبة القول إلى قائله بلا شك (بغلبة الظن أو اليقين)
متى أحتاج إلى ذلك؟
¥