وهناك مقدمة أخرى ضرورية لفهم هذا الموضوع وهو الحديث عن حقيقة القبول؟ فما هو المقبول؟ والذي دفعني لهذا أن هناك خلل كبير في فهم حقيقة القبول، وهذا الخلل بعضه قديم وأكثره معاصر؛ لأن بعض الناس صار يظن أن قبول الخبر يعني تحقق شروط قبول الخبر الموجودة في علم من العلوم، فمثلا يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على القراءات فيقع في خلل كبير، يريد أن يطبق منهج نقد السنة النبوية على الأدب والشعر فيدخل في نفق طويل ومظلم ويشكك في الشعر الجاهلي أكثر مما شكك فيه طه حسين

لم حدث هذا الخلل؟ لأن البعض صار يظن أن القبول هو تحقق شروط القبول وفق منهج معين، لكن لو حاول أن يرجع إلى نفسه وينظر إلى حقيقة القبول لوجد أنها لا علاقة لها بهذه الشروط التي ترسخت في الذهن وظننا أنها هي فقط حقيقة القبول.

طبعا أؤكد على أن المحدثين كانوا على دراية كاملة بهذا وكانوا يفرقون بين شروط قبول الحديث النبوي وبين تحقق القبول سواء في الحديث النبوي أو في غيره من العلوم الشرعية.

وأضرب لكم أمثلة على ذلك:

مثلا الإمام الأوزاعي سئل عن المناولة – أن يناول الشيخ الطالب الكتاب – فقال: أتدين بها ولا أحدث بها.

فانظر كيف فرق بين شروط القبول المطلوبة في الحديث وبين القبول. فقوله أتدين بها يعني أنه يقبلها ويحتج بها وإن كان لا يستجيز أن يروي بما أخذته مناولة.

وقريب من هذا ما ذكره ابن رجب في مسألة المرسل ومحاولة الجمع بين مذهب الفقهاء والمحدثين في هذه المسألة، فالمعروف أن منهج الفقهاء هو قبول المرسل مطلقا أو بشروط معينة كما ذكر الشافعي، والمعروف عند المحدثين أن المرسل من أقسام الضعيف

فابن رجب جمع بين القولين بأن مقصود المحدثين بأن المرسل ضعيف أن هذا هو الأصل فيه وإلا فقد يقبلون أحاديث مرسلة لكن لا يصفونها بأنها صحيحة، ولذا لا نجد أحدا ممن اشترط الصحة في تصنيف الحديث كالبخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم يخرجون حديثا مرسلا تقوى بمجيئه من وجوه أخرى، ولذا لأن من شروط الصحة الاتصال، لكن لا يعني ذلك أن المحدثين لا يحتجون بالحديث المرسل المعتضد لكنهم لا يصفونه بأنه صحيح بإطلاق اللفظ الإصطلاحي.

إذن هناك فرق عند المحدثين بين الحجة والصحيح، فدلالة لفظ الحجة أوسع من دلالة لفظ صحيح، فدلالة لفظ صحيح لها شروط معينة غير دلالة حجة، ولذا فقد يحتجون بأحاديث مراسيل ولا يطلقون عليها لفظ الصحة، ومن ذلك ان أبا زرعة ذكر حديثا متعلقا بالنكاح من رواية حبيب بن أبي ثابت عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: مرسل لأن حبيب بن ثابت لم يلق عمر، لكن عمر أخاف أن أخالفه. (المراسيل لابن أبي حاتم ص: 29، ترجمة حبيب بن أبي ثابت برقم 49)

نحن بفكرنا الآن نقول: هو تناقض، كيف يحكم عليه بانه مرسل ثم يقول: أخاف أن أخالف عمر؟ إذن هو اعتبره ثابتا عن عمر

كل ما في الأمر أنه لم تتحقق فيه شروط الصحة لكن عنده قرائن تدل على ثبوته عن عمر

كذلك: إسحاق بن راهوية كان يتحدث عن دية قتل الخطا وهل هناك وقت يجب ان تدفع العاقلة فيه الدية أم أن الوقت واسع، الإمام أحمد توقف، أما إسحاق فقال:جاء عن عمر أنه جعلها في ثلاث سنين: يعني كل سنة ثلث، وهو مرسل لكنني آخذ به لأنه لم يجئ غيره (مسائل الكوسج لأحمد وإسحاق) طبعا لا يمكن أن يكون مقصوده لم يجئ غيره يعني أنه أخذ به وهو غير معتمد عنده لأنه لا يوجد غيره، يعني لو جاء موضوع هل يأخذ به؟ لا لن يأخذ به، إذن هو أخذ به هنا لأنه رآه وإن كان مرسلا

فهو يصرح بأنه مرسل ويصرح بالاحتجاج به ويصرح بأنه ليس في الباب إلا هو.

إذن فكرة القبول عندنا يجب أن تكون أوسع من فكرة شروط الحديث الصحيح التي اعتبرها المحدثون شرطا لقبول الحديث عن النبي

إذن القبول ليس هو شروط القبول، ولذلك ينبغي علينا عند دراسة هذه المسألة أن نلاحظ هذه القضية

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015