د. الشّهري: وأيضاً مناسبة لقوله (وجِئنا بِكَ على هؤلاءِ شهيداً).
د. الطيّار: وفيه تكريم للرّسول صلى عليه وسلّم بذكر الرّسالة
د. الخضيري: وفيه دلالة – مثل ما ذكر دكتور عبدالرّحمن- على أنَّ المقصود بالشّهادة الشَّهادة على أنَّه بَلَّغ وأدَّى ما أُوحِي َإليه. إذاً أنتم عصيتم وهُو قد بلَّغكم، يعني بذَلَ كُلّ مَا في وِسعه من أجل ان يُوصِلَ رسالةَ ربّه إليكم، فليست خافية عليكم، ولا حُجّة لكم، وقد عصيتم!.
د. الشِّهري: الحقيقة أنا أوّل مرّة أتوَقّف مع أنّ هذه الآية قرأت حديث عبد الله بن مسعود قرأته كثيراً، ولكن لم أتوقف يوماً عند معرفة سبب بُكاء النَّبي صلى الله عليه وسلّم، يعني لماذا بكى عليه الصّلاة والسّلام عند هذه الآية بالضّبط؟ لكن الآن عندما تُدَّقِق فيها تظهر لك فعلاً، أوّلاً بُكاءه صلى الله عليه وسلّم شَفقَةً على أمته، لأنّه كان عليه الصّلاة والسّلام شديد الشَّفقة على الأمة، وقصّة عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مع النَّبي صلى الله عليه وسلّم عندما قال له: اقرأ عليَّ القرآن، لم أتّوقف عند سبب بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم مثل هذه المرّة، يعني لماذا بكى النَّبي صلى الله عليه وسلّم؟ كان يتبادر إلى ذِهني، بُكاء النّبي صلى الله عليه وسلّم شفَقَةً على أُمَّته، عندما يذكر الله سبحانه وتعالى أنّه سوف يأتي شهيداً يوم القيامة على هَذه الأُمّة، ويأتي شهيداً على الأمم، فكأَنّ النّبي صلى الله بكى على حال هؤلاء الذّين عَصَوه، شَفَقَةً بهم ورحمةً بهم، ولكن الآن تبيَّن لي - ما ذكرتموه يا شيخ محمّد- من قضيّة تذّكُرَه لمهابة ذلك اليوم وكونه يأتي عليه الصّلاة والسّلام يشهد على هؤلاء الأُمم جميعاً، ثمّ من هُم؟ فيهم آدم، فيهم إبراهيم، وفيهم نوح، وفيهم إدريس، وفيهم موسى، وفيهم عيسى. يعني موقف مهيب.
د. الخضيري: وفيها شيءٍ آخر، في قوله في اليَّهُود (ويكتُمُونَ ما آتاهُم الله من فضله) هُنَا يُظهر الله عزّ وجل فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويظهر هذا الفَضل في كتاب الله، ويَعترف به رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ويُشيعه بين النّاس، ويتحَدّث بنعمة الله، ويقول (أنا سيّد وَلَدِ آدم ولا فَخَر) وأنا الشَّافع والمُشَّفع والحاشِر والمُقَفَّى إلى آخر ما ذكر من أوصافه لِيَتَحدَّث عن نعمة الله.
د. الشّهري: ما أجمل هذا! وما أجمل ما سيأتي أيضاً في قوله تعالى (أم يحسُدون النّاس على ما آتاهُم الله من فضله فقد آتينا آل إبراهيم (والنّبي صلى الله عليه وسلم من آل إبراهيم) الكتابَ والحُكم والنبّوة وآتيناهم مُلكاً عظيماً) باللّه يا إخواني من الذّي أُوتِيَ مثل ما أُوتِيَ آل إبراهيم؟! يعني امتنان من الله سبحانه وتعالى.
د. الطيَّار: في بعض الطُّرُق في رواية ابن مسعود ورد أنّه لما قال (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)) قال أقول كما قال العبد الصّالح (وكنُت عليهم شهيداً ما دُمتُ فيهم فلمّا توَّفيتني كنت أنت الرَّقيب عليهم)
د. الخضيري: لعلّ هذا يُشعِر بأنّ هذا المقام مقام خوف صلى الله عليه وسلّم أنّه إذا شَهِد على أمّته بالبلاغ أنّه سيُفرز الذّين عَصَوا وكَذَّبُوا فيُعَذَّبُوا وأنّه يَخاف على أمّته وهذا من كمال شفقته كما أسلفتم.
د. الطيّار: في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض)
د. الخضيري: هذا الآن جواب (يَوَدُّ الذّين كفروا وعَصَوا الرَّسول لو تُسوّى بهم الأرض)
د. الطيّار: نعم، (تُسَوَّى) قُرِئت هكذا، وقراءة أخرى (تسَّوى) أيّ تتسوى بهم الأرض
د. الشِّهري: وفي كلام النّاس قولهم: سأُدّمّر هذه القرية وأُسوِّيها بالأرض يعني ألغيها
د. الطيّار: نعم، قاعاً صفصفًا، ففيها هذا الاحتمال وهذا الاحتمال. وأنت لو تأمّلت الملمح الدّقيق في قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) أيّ يُجعلون هم والأرض سواء فيكونون ترابًا كما قال الله سبحانه وتعالى في آخر سورة النّبأ، أو تسوى بهم الأرض يعني يكونون تحت الأرض بمعنى أنّهم يموتون ولهذا هُم يتمنُّون الموت.
د. الشّهري: طيِّب لماذا يتمنَّون هذا؟ ما معنى قوله: (ولا يكتُمونَ الله حديثاً)
د. الطيّار: لأنّه ظهر لهم مَا كان خافياً.
¥