د. الشِّهري: يعني هُم يتمنُّون أنّها تُسَّوَى بهم الأرض وكأنّهَم لم يكونوا، حتى لا يَقِفُوا في هذا الموقف الذِّي لا يستطيعون فيه أن يكتُموا الله حديثاً، انفضَحُوا كما قال الله (وَوُضِعَ الكتاب وترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مالِ هذا الكتابِ لا يُغادرُ صغيرةً ولا كبيرةً إلاّ أحصاها ووجَدوا ما عَمِلُوا حاضراً ولا يظلمُ ربُّكَ أحداً). وهذه من مهارات ودقائق تفسير القرآن بالقرآن تحتاج الحقيقة إلى بحث دقيق. يعني الآن عندما يحمل بعض السَّلَف معنى آية على معنى آية أخرى يأتي بعض الباحثين أحياناً فلا يفهم وجه الرَّبط يظُنّ أنّ الصّحابي يحملها عليها بكُلّ المعاني وإنّما هو يلمح إلى المعنى اللُّغَويّ. يعني مثلاً في قوله: (ويلٌ للمُطَفِّفين. الذّين إذا اكتالوا على النَّاس يستَوفُون) فيأتي سلمان الفارسي ويرى رجُلاً ينقر صلاته فيقول (ويلٌ للمُطَفِّفين) وسّع المعنى واعتبر الذّي يُصلّي وينقُر صلاته مُطَفّف مع أنّ الآية وردت في الذّين إذا اكتالوا على النّاس يستوفون.
د. الخضيري: في قوله (ولا يكتمُونَ الله حديثاً) طبعاً هذه ليست معطوفة على قوله (لو تُسَوَّى بهم الأرض) بل هي معطوفة على قوله (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا) الواو عاطفة على أول جملة وليس على (تسوى) أحياناً القارئ قد تُشكل عليه الآية لو عَطَف على القريب (يومئذٍ يَوَدُّ الذِّين كفروا لو تُسَوّى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا)
د. الشّهري: ولا شكّ أنّه استدلال ممتاز جِدّاً الحقيقة قلّ من يتَنَبَه إليه في هذا الحديث يربطَهُ بعلم الوقف والابتداء.
د. الطيّار: هل في قوله (ولا يكتُمُونَ الله حديثاً) هل له ارتباط بقوله (ويكتُمُون ما آتاهم الله من فضله)؟
د. الشّهري: هي تشترك في الكتمان.
د. الخضيري: وأيضاً إن كتمت فإنه سيأتي يوم لن تستطيع أن تكتُمه
د. الطيّار: لأننا قُلنا قبل قليل لمّا تكلّمتم أنّه قال (وَجِئنا بِكَ على هؤلاء شهيداً) أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلّم يُظهر ما أخفاه وكتَمهُ هؤلاء اليهود.
د. الخضيري: في قوله (وعَصَوا الرَّسول) الرّسول هنا يمكن أن نحملها على الجِنسية يعني الألف واللاّم على الجِنس عَصَوا كُلّ رسول، وليست خاصَّة برسول صلى الله عليه وسلّم، ويُمكُن تُحمل على العهد أيضاً وعَصَوا الرّسول هذا
د. الشّهري: وأيضاً يُمكن أن تُحمل على أنَّ من عصى النبي صلى الله عليه وسلّم فكأنّه عصَى كُل الرُّسُل كما ورد في قصّة قوم نوح وقوم إبراهيم قال (كَذَّبُوا الرُّسُل)
د. الطيّار: (كذّبت قوم نوح ٍ المرسلين).
د. الشّهري: ومَا أُرسِلَ لهم إلا نوح، وما كان قبله رسول
د. الخضيري: لأنَّ تكذيب الواحد يعدل تكذيب للجميع
د. الشّهري: بقي معنا يا إخواني دقيقة لعلّنا نُلَّخص فيها هذه الآيات لعلَّك يا دكتور محمّد تُلَّخص لنا ما تحدّثنا به سابقاً.
د. الخضيري: يعني هذه الخِصال التّي ذكرها الله جلّ وعلا كيف أنّ الإنسان يُمكنه ان يَعُدَّها ثُمَّ ينظر إذا كانت مذمومة أن يتَّقيها ويعلم أنّ الله قد ذمّها وتوعّد عليها بهذا الوعيد العظيم. وإن كانت طيّبة وإذا به يحرص على الاتّصاف بها، مثلًا البخل، أمر النّاس بالبُخُل، كتمان ما آتاك الله من فضله، الإنفاق رئاءً، ترك الإيمان بالله واليوم الآخر، هذه كُلُّها خصال ذمّها الله. وفي المقابل أمَرَ الله بالإيمان، والإنفاق ممّا رزَقَنا الله، والتّحدّث بنعمة الله، والكرم، فيجب على الإنسان أن يَعرِض نفسه على القرآن ويجتهد في أن يَتَخَلّق بأخلاقه.
د. الشّهري: نسأل الله أن يرزُقُنا وإيّاكم العمل بكتاب الله تعالى، وما أحوجنا فعلاً يا إخواني أن نعرِض أعمالنا على كتاب الله كل ّيوم، حتى ينظر الإنسان أين مكانك من كتاب الله، نسأل الله أن يجعلنا وإيّاكم من أهل القرآن.
إنتهى الوقت في هذا اللّقاء أيّها الإخوة، ولعلّنا بإذن الله تعالى نُكمل معكم المجلس القادم في سورة النّساء في هذا المكان من مَدينة النَّماص، إلى ذلك الحين نستودعكم الله، والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بُثّت الحلقة بتاريخ 22 رمضان 1431 هـ
ـ[سمر الأرناؤوط]ــــــــ[14 عز وجلec 2010, 08:58 ص]ـ
الحلقة 23
تأملات في الآية (43) من سورة النساء
¥