لو أنّك تُريد حاجة من حوائج الدنيا, وظيفة فقيل لك: هذا المدير الفلاني رجلُ فيه كذا وكذا وكذا, ويملك الصلاحيات كلها, فحينها تذهب إليه مباشرة وتعترف له بالفضل وتسأله حاجتك هذا في حاجة العبد فكيف بحوائجك كلها التى لا يقضيها إلا الله وتعلم علم اليقين أن الله تعالى له الكمال المطلق وبيده الخير كله وعنده خزائن السماوات والأرض فحينها ليس لك سبيل إن كنت عبدًا صادقًا مؤمنًا أن تتوجه لغير ربك فحينها تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5}) ولو أننا استحضرنا ونحن نقرأ سورة الفاتحة فنستحضر في الآيات الأولى كمال الله تعالى ثم كأننا نلجأ إلى الله عز وجل نخاطبه مباشرة فنقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5}) هذا والله معنى العبودية يقول البيضاوي في هذا (كأنهم قالوا يا من هذا شأنه نخصك بالعبادة والاستعانة وفي هذا إشارة إلى طريق تحقيق كمال عبوديته وهو تحقيق معرفته ووجوه كماله) ثم لماذا قال (إياك نعبد) ولم يقل إياه نعبد؟

الحديث هنا قال (الْحَمْدُ للّهِ) لم يقل (الحمد لك) فالحديث هنا عن الغائب لماذا جاء الحديث المخاطب هنا قوله (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) مباشرة فالتفت من الغيبة إلى الخطاب وهذا التفات بديع،وهو أدخل في استجلاب النفوس واستمالة القلوب وايقاظ الأسماع كما أن فيه مناسبة لما قبله وهو أنه لما أخبر عن نفسه بأجمع الصفات وأجملها وأجلها تجلى للقارىء والسامع كمال ربه المطلق فاستدعى ذلك مباشرة فيقول (إِيَّاكَ) نعبد فكأنه ترقى وهذا من كلام ابن القيم كأنه ترقى من كمال البرهان والدليل إلى كمال الإقرار والاعتراف ومن رتبة الإيمان والتصديق إلى رتبة الإحسان، كلام جميل يقول كأنه ترقى من كمال البرهان يعني المعرفة إلى كمال الإقرار ومن رتبة الإيمان والتصديق إلى رتبة الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.

لماذا قال (إياك نعبد) ولم يقل إياك أعبد؟

تصوروا هذا وتأملوه لماذا جمع هنا فقال إياك نعبد ولم يقل إياك أعبد؟

الجمع في (إياك نعبد) دون الإفراد دال على معانٍ جميلة الجمع في قوله نعبد دون الإفراد دال على معان ٍ جميلة جليلة بديعة منها أنه مناسب لما أخبر عنها عن شمول صفاته وإحاطته بالكمال وأنه رب العالمين جميعًا معنى عظيم!

حينما تقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإنك تعترف بأن الخلق كله عباد لله وأنه رب العالمين جميعًا ليس ربك أنت فقط حين تقول (الحمد لله) ربي تعترف بأنه ربك لكن حينما تقول (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وتقول (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فإنك تستحضر هنا أن الله ع زوجل له حق العبودية من الخلق كلهم أي معنى ً يحققه الإنسان في قلبه استحضار أن الله تعالى معبود لجميع المخلوقين سبحانه وتعالى وهذا معنى قول إبراهيم عليه السلام (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {131}) ما قال أسلمت لربي لاحظ هذه اللطيفة البديعة (إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ) ماذا قال: (َسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ) الله أكبر!!

اعتراف بأن الله رب العالمين جميعًا وهذا أكمل في العبودية من قولك (الحمد لله ربي) أوقولك (إياك أعبد) فالحظ هذا وتدبره وفقك الله.

ثم أيضًا فإن قولك (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) كأنك بضعفك وتقصيرك ومعصيتك تريد أن تدخل نفسك مع عباد الله الصالحين فكأنك تقول أنا يارب لوحدي لا أستطيع تحقيق كمال عبوديتك ضعفي وتقصيري لاتحقق كمال عبوديتي لله فحينها تدخل بعبوديتك مع عبودية عباد الله الصالحين كلهم فتدخل مع الصالحين جميعًا في هذه العبودية لتحقق معهم الكمال وهنا أيضًا مسألة أخرى وهي الجمع بين العبودية والإستعانة قولك إياك نعبد كافٍ في تحقيق العبودية فلماذا قال (إياك نستعين أيضًا)؟

مع أن العبادة متضمنة للاستعانة لأن العبادة هي اسم جامع لكل مايحبه الله ويرضاه وهي تشمل الحب والخوف والرجاء والاستعانة والتوكل وكل ذلك داخل في معنى العبادة فلماذا خص العبادة هنا؟

لأمر عظيم فتأملوه لأنه لا سبيل للعبد إلى تحقيق العبادة إلا بالله عز وجل وعونه هل يمكن لك أنت أيها العبد بقدرتك وضعفك وما يحفك من الصوارف الشيطان والنفس الأمارة أن تعبد الله حق العبادة؟ لا والله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015