للإشارة إلى أنّ ذلك اليوم هو يوم الجزاء على الدين, وما هو الدين؟! هو دينه سبحانه وتعالى, أمّا غيره من الأديان فليس لها عند الله نصيب, فكأنّ الله تعالى سبحانه في هذه الآية يقول: في ذلك اليوم هو الجزاء لديني, من أراد أن يكون من أهل ديني فإنّ ذلك اليوم هو جزاؤهم على الدين, فانظروا وتأمّلوا هذا التعبير العظيم الكريم البليغ, ثم هنا قراءتان في قوله: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قراءتان صحيحتان متواترتان عن النبي صلى الله عليه وسلم, وهنا وقفة مع القراءات وهي أنّ القراءات فيها سرٌ من أسرار القرآن, تُفيد تعدد المعاني, وكما قال علي رضي الله عنه: (القرآن حمّال ذو وجوه) بمعنى أنّه يحتمل معاني كثيرة, فالكلمة الواحدة قد تستخرج منها معانٍ كثيرة, وهذا معنى قول الله عزوجل: (مَا فَرّطْنَا فِيْ الْكِتَابِ مِنْ شَيْء) (8) فهذه الكلمات المعدودة تجمع معاني لا منتهى لها, في كل زمان نجد من المعاني مالا يمكن أن يكون في زمان قبل, في كل عصر يُناسب هذا القرآن, حَلّ مشكلاته, في واقعيته, و بلغته, و بأحواله, والله تعالى أعلم وأعظم في أن يجعل هذا القرآن هداية للناس من أولهم إلى آخرهم, فقولنا: (مالك) و (ملك) هنا قراءات, والقراءات تُفيد تعدد المعاني, فما هي المعاني تحت كلمة (ملك) وما هي المعاني تحت كلمة (مالك)؟!
المعاني تحت كلمة (ملك) تُفيد كمال القوة والسلطة والجلال والعظمة والملك هكذا يفيد الجلال والملك والعظمة،
و (مالك) تُفيد التصرّف التامّ والنفع التامّ والضرّ التامّ, فله سبحانه التصرف التامّ في كل شيء, فقد يكون (ملك) ولا يكون (مالك) في المخلوقين, ولله المثل الأعلى أليس كذلك؟
قد يكون في الدول مَلِك لكنّه لا يتصرف, كـ"ملكة بريطانيا" ليس لها من الأمر شيء, أمّا قولنا: (مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) فهي تُحقق لله تعالى المعنيين الجميلين, الجلال والعظمة والسلطان, وتُحقق معنى النفوذ والتصرُف التام سبحانه وتعالى له.
ثم نأتي إلى محطّ السورة وقاعدتها وأساسها, هذه الآية التي هي أعظم آية في كتاب الله عزّوجل من حيث معناها, وإلاّ فأعظم آية في كتاب الله آية الكرسي لكن هذه الآية في سورة الفاتحة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) في مضمونها قد شملت القرآن كله, هي عمود السورة, قول الله عزوجل: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله تعالى ـ: (هاتان الكلمتان تجمعان معاني الكتب المنزلة من السماء) (9) الله أكبر! ليس فقط القرآن, وقد ذكر في أثر آخر: (أنّ الله جمع الكتب السماوية كلها في أربعة كتب, وجمع الأربعة كتب في كتاب واحد وهو القرآن, وجمع القرآن في سورة واحدة هي الفاتحة, وجمع الفاتحة في آية واحدة هي (إياك نعبد وإياك نستعين) وقال ابن كثير رحمه الله تعالى: (والدين يرجع كله إلى هذين المعنيين) (10) ويقول بعض السلف: (الفاتحة سرّ القرآن وسرّها هذه الكلمة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (تأملت أنفع الدعاء فإذا هو سؤال الله العون على مرضاته ثم رأيته في الفاتحة في قوله: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)
فهذا فضل هذه الآية, ولو وقفنا معها وقفات لما كفانا حقيقة, لكنّنا لعلّنا نقتطف بعض المعاني والدقائق واللطائف التي من خلالها نحقق بعض المعاني في قلوبنا لعلّها تُعزّز معنى العبودية لله عزّوجل
أولاً: ما مناسبة هذه الآية لما قبلها؟
مناسبتها ظاهرة هي أنّه لما ذَكر سبحانه وتعالى اتصّافه بصفات الجلال والكمال الدالّة على استحقاقه واختصاصه بالعبودية, كان ذلك موجباً للعبد إلى أن يعترف لله عزّوجل بهذه العبودية, لما أنّ العبد استفتح ببيان الصفات لله عزّوجل, صفات الجلال الله عزّوجل, والرحمن والرب والملك, وهذه الأسماء الأربعة تجمع جميع صفات الله عزوجل, فحين يقرأ العبد قوله: (الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) هنا يقف معظماً لله عز وجل، مستشعراً كمال ربّه سبحانه وتعالى في ذاته وصفاته, مستحضراً أنّه لا سبيل له للعبد إلا الله, حينها يتجه إلى ربه فيقول: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) ولله المثل الأعلى
¥