هذه المسألة مهمة جدًا قل ّ من ينتبه لها أو يلحظها, السبع المثاني, ما معنى المثاني؟
اختلف المُفسّرون فيها, قيل: هي تُثنّى في كل ركعة, والصحيح أنّ معانيها فيها مثاني, ففيها الشيء ومقابله, تصورّوا معي أيّها الأحبّة أنّ الله قال: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي, فهذا معنى مثاني, وتصورّوا قوله: (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ {3} مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4}) ترغيب وترهيب, وتصورّوا قوله: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5}) فهذا حقّ الله وحق العبد, (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) لله (وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) للعبد, وتصورّوا قوله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ {7}) فهذه الوجوه المثاني, ولو أنّنا تأمّلنا أكثر لوجدنا وجوهاً أكثر من ذلك في تحقيق هذه المثاني, فهي السورة التي ذُكر فيها المعنى ومقابلها.
(الله عزّوجل) والرب فهنا ترغيب وترهيب, (الرب والرحمن) أيضًا بينهما مثاني, (الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) بينهما مثاني (الرحمن ومالك) بينهما مثاني, (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ {5}) بينهما مثاني, وكذلك (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ {7}) بينهما مثاني, فهذه السورة السبع المثاني كما قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتدبّرها جيداً وفقك الله.
ثم قال الله تعالى: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ {4}) هذه الآية تُفيد أنّ الله سبحانه وتعالى له الملك وحده يوم القيامة, يوم الجزاء على الأعمال, في قراءة المسلم لهذه الآيات في كل ركعة من صلواته تذكير له باليوم الآخر, وحثّ له على الاستعداد للعمل الصالح والكفّ عن المعاصي والسيئات, لأنّك إذا قلت: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) تذكرت مُلك الله في ذلك اليوم وأنّه لا سبيل لك إلا الله ـ عزوجل ـ: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) (7) وهنا بعض البصائر في هذه الآية:
أولاً: غرض هذه الآية هو بيان كماله سبحانه وتعالى مجداً وسلطاناً وقدرةً وتصرفاً للدلالة على كماله المطلق سبحانه وتعالى, ولهذا قال في الحديث: (فإذا قال العبد مالك يوم الدين, قال الله مجّدني عبدي) أي: عظّمني, إذا قلت: (مالك يوم الدين) فإنّك تُعظِمه في ملكه سبحانه وتعالى وقدرته وتصرفِه سبحانه وتعالى, وذكر وصف الملك بعد الربوبية والرحمة مناسبٌ كما ذكرت لكم هو من باب المثاني, فإنّ الربوبية والرحمة دالّة على كمال لطفه ورعايته وإصلاحه للخلق, وصفة الملك دالّة على كمال تصرفه وقدرته وأمره ونهيه سبحانه وتعالى, وأيضاً فإنّ صفة الربوبية والرحمة داعية لماذا؟
داعية للرجاء والترغيب والتشويق للعبد, فأتبعها سبحانه وتعالى بصفة الملك الداعية إلى الترغيب والخوف, ليجتمع في قلب العبد الخوف والرجاء, وهذه كمال العبوديةإذا اجتمع في قلبك الخوف والرجاء وبينهم المحبة فذلك هي كمال العبودية.
هنا سؤال وهو ما هو وجه تخصيص يوم الدين؟! لماذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ولم يقل مالك الدنيا والآخرة؟ مالك السماوات والأرض؟ لماذا خصّ هنا يوم الدين مع أنّ السورة في بيان كمال الله المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته, فلماذا خصّ يوم الدين؟ من يجيب؟
في ذلك اليوم يوم القيامة لا يكون مُلك إلا لله عزّوجل, قال الله عزوجل: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) في يوم القيامة يوم يجمع الخلائق كلهم من أولهم إلى آخرهم انسهم وجنّهم وجميع الخلق مجموعون في ذلك اليوم, فليس لأحدٍ مُلك, ليس لأحدٍ في ذلك اليوم قدرة ولا نفع ولا ضر إلاّ بإذن الله, فحينها يقول الله تعالى: (لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ) فيُجيب الله تعالى بنفسه: (لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) فانظروا وتأمّلوا قوله: (الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ) فحين تمّثل المُلك الكامل لله عزوجل في ذلك اليوم, جاء في هذه السورة التي تُحقق الكمال لله تعالى تخصيص يوم الدين, أمّا في الدنيا فإنّ الله جعل للخلق مُلك تحت مُلكه سبحانه وتعالى, لكنّه في الآخرة ليس لأحد مُلك, فلذلك قال هنا: (يَوْمِ الدِّينِ)
ولماذا قال: (يَوْمِ الدِّينِ) ولم يقل يوم القيامة؟ أو يوم الجزاء؟ لماذا خصّص يوم الدين؟
¥