فيخرج من المسجد إذا أُعلِنَ الشَّهر وإذا كان من شعبان يفوته شيءٌ من الصَّلوات لابدَّ أن يفوته ركعة من صلاة العشّاء أوّل صلاة بعد الاعتكاف، فالإنسان عليه أن يتعرّف على الله في الرَّخاء ليعرفه في الشّدة، فمن حجّ فلم يرفُث ولم يفسق رجع كيومُ ولدته أمّه، يكون أربعة أيّام الحجّ أو ثلاثة إذا أراد حصر المدّة، وسوف أحقق ما جاء في هذا الوعد مهما كلّف الأمر، ثمّ تجده عشيّة عرفة يلتفت يميناً وشمالاً علّه أن يجد من يعرفه أو يتعرّف عليه لتمضي هذه السَّاعة، لماذا؟ لأنّ حياته في وقت الرّخاء معمورة بالقيل والقال، فينتبه الإنسان لمثل هذا فإذا جاءَ وقت الشّدة ما حصَّل شيء، فيتحسَّر ويتحرَّق على أنّ الناس يَجنون الأجور العظيمة وهو يلتفت يميناً وشمالاً، وإذا مسك المصحف تلفّت إذا وجد أحد وإلا نعس ونام، لابد أن يكون لك نصيب من تعبّد سابق لِتُعان على التعبّد في وقت الحاجّة. الآية التي قرأها أخونا في أوّل الأمر {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (10) عجوز في الثَّمانين من عمرها أحسّت بمغص شديد تكرَّر عليها وذهبت للمستشفى فقالوا إنّ عندها حصى في الكُلى وقالوا لابد من العملية، قالت أخرج اليوم وأستخير وأرجع لكم، أخذت كأساً فيه ماء زمزم وقرأت فيه شيئاً من القرآن فشربته ونزل الحصى، ذهبت إلى المستشفى وفحصوها وحلّلوا وقالوا لا يوجد شيء، ماذا صنعتي؟ قالت: القرآن الذي لو أنزل على جبل راسي كبير كأحد مثلاً، لتفتَّت، وتصدَّع كيف لا تتحمّل هذه الحصوات الصَّغيرة، لكن نحتاج إلى يقين بوعد الله جلّ وعلا، لنتأثر بكلامه.
كثير منّا يقرأ القرآن وهو في وادٍ وقلبه في واد، وإذا حصَل عنده أدنى حركة، لو أنّ الرّيح حرّكت الباب ما عَرف أين يقرأ، وإذا أغلق المصحف ما يدري في أيّ سورة كان يقرأ، هل هذا يعيش مع القرآن؟ المقصود أنّ القراءة التي تترتّب عليه آثارها هي القراءة المأمور بها، يعني على الوجه المأمور به بالتّدبر والترتيل. الترتيل يتسنى لكثير ممّن حفظ القرآن، أو قرأ القرآن على الطّريقة المعروفة عند أهل التّجويد بالتجوّيد يحصل الترتيل.
أمّا التدّبر فلابد من أن يُستعان على فهمه بكلام أهل العلم من الصَّحابة والتَّابعين وقبل ذلك كلام الرَّسول صلى الله عليه وسلّم الذّي جاءَ مبيّناً للقرآن وموضّحاً له ومُفسِّراً له، ثمَّ صحابته الكرام ثمّ تابعوهم بإحسان ومن تبعهم إلى يوم الدِّين من أهل التَّحقيق الذّين يُفَسِّرون كلام الله جلّ وعلا.
فالوصيِّة لِكلِّ طالب علم يُرِيد أن يستعين على تحقيق هذا الهدف العظيم الذّي هو التّدبرأن يصحب معه كتاباً في غريب القرآن، أو تفسيراً من التّفاسير المختصرة، ولعلّ مثل هذه الدّورة تُحقّق هذا الهدف، فأعظم ما يُستعان به على التّدبر فهم القرآن من خلال كلام أهل العلم الموثوقين.
وعُرِف عن أهل العلم أنّ لهم قراءات متنوعة، فقراءة لتحصيل أجر الحروف وقراءة للتّفقه من القرآن، وقراءة للتدّبر والتأثّر بالقرآن، وذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله عن بعضهم أنّه كان يقرأ القرآن في كلّ يوم، يعني يختم كلّ يوم، وله ختمةُ تدّبر أمضى فيها عشرين سنة، كثير من المسلمين لا يتسنّى له أن يتدبّر القرآن بمفرده لأنه ليست لدّيه الأهلية لتدبّر القرآن من عامّة النّاس ومبتدأي طلبة العلم هؤلاء يستعينون على ذلك بكتب الغريب والتّفاسير المختصرة، والذّي يصحب معه تفسيره ويُراجع عليه معاني الآيات أثناء حفظه هذا يستفيد كثيراً لكن لا يكون التّفسير مُطوّلاً بحيث يعوقه عن حفظ القرآن في أقرب مدّة وأقصر مدّة إذا تطرّق إليه الملل والسآمة.
وهذه الدورة المُباركة يُرجى منها الثّمرة العُظمى وهي التدّبر لكلام الله جلّ وعلا ...
فتدبّر القرآن إن رُمتَ الهُدى***** فالعلم تحت تدّبر القرآنِ
¥