يُقال لقارئ القرآن اقرأ وارقَ في دَرَجِ الجنّة كما كُنت تقرأ في الدّنيا) (5) هذّاً كان أو ترتيلاً. لكن لكلٍّ أجره.
الترتيل أجره أعظم فقد أمر الله به جلّ وعلا (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً} (6) وأجرُ الترتيل قدرٌ زائد على مجرّد أجر الحروف، والعُلماء يختلفون في الأفضل من الهذّ والترتيل مع تفاوت المقادير، فيفترضون الخِلاف في شخصٍ أو في شَخصين يجلسان ساعة، فالّذي يهذُّ القرآن يقرأ خمسة أجزاء في السَّاعة، والذّي يُرَّتل يقرأ جُزئين، أيُّهما أفضل؟ هذا يحصل على خمسائة ألف حسنة من أجل الحروف، وذاك يحصُل على مائتي ألف حسنة، لكل جزء بمائة ألف، لكن مضاعفات الحسنات تتفاوت وابن القيّم رحمه الله تعالى لمّا ذكَرَ الخلاف قال: لاشكّ أنَّ الأجر مُرّتب على الحُروف وكثرة الحروف أجر التِّلاوة، فيكون من خَتَم القرآن مرّة على الوجه المأمور به بالتَّدبر والترتيل مرّة واحدة وختم الثّاني الذّي يقرأ هذّاً عشر مرّات يكون هذا كمن أهدى دُرّة كل ختمة بدُرّة قيمتها ألف، والذّي ختم مرّة واحدة بالتّدبر والترتيل كمن أهدى دُرّة واحدة ولكن قيمتها مائة ألف .. فرق!!.
فعندنا قراءة الهذّ تُحصّل أجر الحُروف، وكان كثيراً من السَّلف يقرأ هذّاً، ودموعه تتناثر في حِجره وكثيرٌ منّا يقرأ ترتيلاً وكأنّه يقرأ جريدة أو صحيفة. وإلى عهدٍ قريب تجد كثير من النّاس في ليلة الثاني عشر من رمضان يذهبون إلى بعض المساجد التي عُرِف أئمتها بالخُشوع وأدركنا مسجد شيخنا الشّيخ صالح الخِريصي ومع ذلك لا يُسمع صوته من البُّكاء والنّاس كذلك.
وصلِّينا في السَّنوات الأخيرة مع أصحاب الأَصوات المؤثّرة في صلاة التّهجد يقرأ ثلاثة سُور يبدأ بيونس وينتهي بيوسف ومع ذلك ما تحرّك ساكن، مروراً بهود التي جاء فيه الخبر المختلف فيه شيّبتني هود وأخواتها فكثير من أهل العلم يحكم عليه بالاضطراب والذّي يترجّح عند الحافظ ابن حجر أنّه أمكنه أن ينفِي الاضطراب بترجيح أحد الوجوه فهو حديثٌ حسن عنده.
النّوع الأوّل:قراءة الهذّ.
النّوع الثاني: الترتيل.
النّوع الثالث: الترتيل مع التّدبر. وجاءَ الحثُّ عليه في ثلاثِ آيات أو أربع آيات بصراحة في القرآن، {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} (7) {أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ} (8)، (ِليَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} (9) فالتّدبر أجره قدرٌ زائدٌ على مجرّد التلاوة ومجرّد الترتيل، وبهذا يحصل الكمال وبهذا يحصل زيادة العلم والعمل واليقين والإيمان.
فتدبّر القرآن إن رُمتَ الهُدى***** فالعلم تحت تدّبر القرآنِ
شيخ الإسلام رحمه الله يقول: (وقراءة القرآن على الوجه المأمور به يُورث القلب من العلم واليقين والطمأنينة ما لا يُدركه من لا يعانيه) ـ يعاني التدّبرـ ويُزاول، يقرأ القرآن في السَّاعة خمسة أجزاء، ويُقبِل النَّاس على القرآن في المواسم، لكن لم يؤثر فيهم القرآن ولم يغيّر من حياتهم شيء، لماذا؟ لأنَّهم لا يقرأون القرآن على الوجه المأمور به، نعم يُحصِّلون الأجر والثّواب بقدر ما يقرأون من الحروف والنّاس يتفاوتون بذلك، بعض النّاس يُسَّرت له التِّلاوة فتجده يقرأ القرآن في يوم، ما زال الأمر كذلك عند بعض المقبلين على العِبادة لا سيما في المواسم، لكن لا يتسنى هذا لكلِّ أحد، الذّي لا يعرف القرآن إلا في رمضان هل يستطيع أن يختم في يوم؟ أو يقرأ خمسة أجزاء في يوم؟ ما يستطيع، لأنّه ما تعرَّف على الله في الرَّخاء فيتعرّف عليه في الشِّدة، والنّاس في العشر الأواخر من رمضان يكونون بمكة ويلزمون المسجد الحرام أفضل البقاع وأقدس البقاع ويلتمسون ليلة القدر، والمفترض فيمن هجر وطنه وأهله ولَزِمَ البيت الحرام أن يصحب كلام الله وأن يُكثر من ذكره وأن يشغل وقته بالذّكر والتّلاوة والصّلاة والدُّعاء، ولكن لمّا كان جُلّ وقته معموراً بالقيل والقال فإنّه لا يُعان على مثل هذه الأمور، بل بعض النّاس يعتكف ولا يتأثّر بالاعتكاف يفرح بالزَّائر وقد يستصحب معه أشياء والسَّلف يُعطِّلون دروس العلم في الاعتكاف وهذا يأتي معه بأجهزته ووسائل الاتّصال ولا يبقى من وقته للعبادة شيءٌ يُذكر فمثل هذا لا ينتفع بالاعتكاف الانتفاع المرجو وإن كان مُثاباً على هذه النيّة وهذا اللّزوم للمسجد، فتجد حاله ليلة العيد مثل حالته في شعبان.
¥