السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. الحمدلله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على عبده ورسوله نبيّنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أمّا بعد::
فإنّ العناية بكتاب الله من أعظم ما يُقرّب إلى الله، من أعظم ما يُتاجَرُ به مع الله، فقد أمر الله جلّ وعلا في ثنايا كلامه، ورتّب على مجرّد التلاوة وهذا خاصّ بالقرآن، بمجرّد قراءته متعبّد بها بخلاف غيره من الكلام، قال تعالى: ({اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ} (1).فمجرّد التِّلاوة يُرتّب عليها الأجور العظيمة وجاء في الحديث الصّحيح: أنّ لقارئ القرآن بكل حرف عشر حسنات. ومثال على ذلك ما جاء في النّص لا أقول (آلم) حرف ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف. ثلاثونَ حسنة لـ (آلم) (2)، فَكَم يُحصِّل من الأجور من جلس ربع ساعة ليقرأ جزءاً من القرآن؟ مائة ألف حسنة في ربع ساعة، وختمة واحدة تُقرأ في سبع بكل راحة ويُسُر وسُهولة يحصل القارئ فيها على أكثر من ثلاثة ملايين حسنة، القرآن أكثر من ثلاثمائة ألف حرف، نعم الخِلاف مَوجود بين أهل العلم في المراد بالحرف هل المراد به حرف المبنى، أو حرف المعنى؟ لكن من نظر إلى فضل الله جلَّ وعلا وكرمه يترجّح عنده أنّ المراد بالحرفحرف المبنى.
على كلِّ حال هذه الأجور العظيمة مُرَّتبة على مُجرّد التِّلاوة، ثلاثة ملايين حسنة يستطيع المسلم أن يُحصِّلها في السَّبع من غير أن يُخلَّ بعمل دينّي أودُنيوي، يجلس بعد صلاة الصُّبح في كل يوم إلى أن تنتشر الشَّمس ساعة، يختم القرآن في سَبع ويمتثل الأمر النَّبوي لعبدالله بن عَمرٍ رضي الله عنهما حيث قال له النَّبي عليه الصّلاة والسّلام: اقرأ القرآن في سبع ولا تَزِد. مع انّ ابن عَمرٍ زاد صار يقرأ القرآن في مُدّة أقل، وعُرِفَ عن جمعٍ من الصَّحابة والتَّابعين قراءة القرآن في ليلة، دع عنك ما يُقال عن بعضهم أنّه يقرأ مرّتين في اللّيلة وأُثِر عن البعض أنّه يقرأه في ثلاث، ومثل أشياء لا يقبلها عقل مع أنّه ذكرها أهل العلم، والبعض يختم أربع مرّات في النّهار وأربع مرّات في اللّيل ولكن الوقت لا يستوعب.
المقصود أنّ قراءة القرآن مُيَسّرة وجميع ما يتعلّق بالقرآن ميّسر، لكن لمن؟ ({وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (3) لابد أن يكون مدّكر، متذَكِّر لما أمامه، مُتذكر للهدف الذّي خُلِق من أجله، هذا الذي يحرص على مثل هذه المُتاجرة مع الله جلّ وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} (4) تجارةً لن تبور، في أسبوع ثلاثة ملايين، قد يقرأ في الثّلاث فيختم في الشَّهر عشرة مرّات كل واحدة ثلاثة ملايين في الشَّهر ثلاثون مليون حسنة، حسنة لا يُمكن أن يتعرّض لها نفس ولا سارق ولا أحد أودِعت في ديوان لا يمكن أن يتطاول عليه أحد إلا الشّخص نفسه، إذا أراد أن يُفرّط فيما جمع فهذا أمره إليه، وهو عاقل يُدرك ما ينفعه وما يضرّه، قد يُعنى بالقرآن ويختم مرّتين أو ثلاثة أو أربعة بالشّهر ومع ذلك يأتي مُفلساً يوم القيامة، والنّبي صلى الله عليه وسلّم سأل الصّحابة عن المفلس؟ قالوا: المفلس من يأتي يوم القيامة بأعمال كأمثال الجبال من صَلاة وصِيام وصدقة وحجّ وجهاد ويأتي وقد ضرب هذا، وشتم هذا، وأكل مالَ هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته أخُذ من سيئاتهم فطُرِحت عليه ثمّ ألقي في النّار. نسأل الله العافية ..
المقصود أنّ القرآن متعبَّدٌ بتلاوته والمتاجرة مع الله جلّ وعلا تَحصُلُ على أقل تقدير لهذه المضاعفات على مجرّد التّلاوة (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُور) هذه مُتاجرة مع الله جلّ وعلا، والقرآن من أعظم ما يُتاجر به مع الله جلّ وعلا، وهل هُناكَ كَلَفة في قِراءة القرآن والله جلّ قد يَسَّره لنا، إلاّ أنّ النّفس تحتاج إلى مجاهدة، تحتاج إلى جِهاد في أوّل الأمر ثم التَّلذذ، هذه التِّلاوة المأمور بها والمُرّتب عليها الحسنات على أنحاء وأقسام فكل قِسم، وكل نوع، وكُلّ صنف له نصيبه من الأجر فهُناك ما يُسَّمى بالهَذّ الذّي يُحصِّل أجر الحروف، ففي سُنن الدَّارميّ: (
¥