وفي تعداد النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث لأبواب الجنة حين قال: من كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة ... إلى آخره , إنما ذُكر هنا أربعة أبواب من أبواب الجنة , وقد تقدّم معنا أن أبواب الجنة ثمانية , وبقي من الأركان الحج فله باب بلا شك , وأما الثلاثة الأخرى فمنها باب الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس .. رواه أحمد عن الحسن مرسلا حيث قال: {إن لله بابا ً (يقول عليه الصلاة والسلام فيما رواه الحسن مرسلا ً) إنّ لله بابا ً في الجنة لا يدخله إلا من عفا عن مظلمة} ..
ومن الأبواب:
الباب الأيمن وهو باب المتوكلين الذي يدخل منه من لا حساب عليه ولا عذاب.
وأما الثالث فلعلّه باب الذكر , قد جاء عند الترمذي ما يومئ إليه , ويحتمل أن يكون باب العلم , والله أعلم ..
ويُحتمل أن يكون المراد بهذه الأبواب التي يدعى منها هي أبواب في الجنة تُعدّ هي الأبواب العظمى والأبواب الكبرى , ومن دونها أبواب أخر أصغر منها , ذلك أن الأعمال الصالحة أكثر عددا ًمن ثمانية ..
وفي حديث أبي بكر هذا لما سأل (هل يدعى أحد من تلك الأبواب كلها) إشعار بقلّة من يدعى من تلك الأبواب كلها , وفيه إشارة إلى أن المراد ما يتطوع به من الأعمال المذكورة كالصلاة والصدقات والصيام والحج، فيراد بها ما يتطوع به لا واجباتها، وذلك لكثرة من يجتمع له العمل بالواجبات كلها بخلاف التطوعات فقل من يجتمع له العمل بجميع أنواع التطوعات. ثم من يجتمع له ذلك إنما يدعى من جميع الأبواب على سبيل التكريم له، وإلا فدخوله إنما يكون من باب واحد ولعله باب العمل الذي يكون أغلب عليه، والله أعلم ..
وفي هذا الحديث أيضًا أن من أكثر من شيء عُرف به، وأن أعمال البر قلّ أن تجتمع جميعها بشخص واحد على السواء، وبين أيضًا أن الملائكة يحبون صالح بني آدم ويفرحون بهم , فإن الإنفاق كلما كان أكثر كان أفضل، وبيّن الحديث أيضًا أن تمني الخير في الدنيا والآخرة مطلوب ..
أما ما يتعلق بسعة أبواب الجنة:
فإنها أيها الأخوة والأخوات فوق ما يحده الخيال أو يخطر في البال، ومما يوضح شيئًا من ذلك ما جاء في حديث الشفاعة المخرّج في الصحيحين , فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: {وُضعت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة من ثريد ولحم فتناول الذراع، وكان أحب الشاة إليه فنهش نهشة وفي لفظ فنهس نهسة ـــ يعني أخذ بأسنانه وأضراسه جميعًا ـــ فقال عليه الصلاة والسلام: أنا سيد الناس يوم القيامة، ثم ذكر حديث الشفاعة بطوله، وفيه قوله صلى الله عليه وسلم: {والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة} هكذا قال عليه الصلاة والسلام وهذا الخبر منه بعد أن يقوم في ذلك الموقف العظيم يستشفع لأمته عليه الصلاة والسلام ..
وجاءت الإشارة إلى هذا في هذا الحديث حيث قال: {فأقول يا ربِّ أمتي أمتي!! فيقول الله تعالى يا محمد أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب، والذي نفس محمد بيده إن ما بين المصراعين من مصاريع الجنة لكما بين مكة وهجر أو هجر ومكة، وفي لفظ: لكما بين مكة وهجر أو كما بين مكة وبُصرى} .. متفق عليه ..
ومعنى قوله ما بين مصراعي الباب يعني ما بين جانبيه، وهجر مدينة معروفة هي قاعدة بلاد البحرين، وبُصرى مدينة معروفة من جهة دمشق ..
وأيضًا جاء في صحيح مسلم عن عتبة ابن غزوان رضي الله عنه قوله: {ولقد ذُكر لنا أن مصراعين من مصاريع الجنة بينهما مسيرة أربعين سنة وليأتينَّ عليه يوم وهو كظيظ من الزحام} .. كظيظ يعني ممتلئ ..
وجاء أيضًا عند الإمام أحمد والترمذي عن معاوية ابن حيدة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {توفّون سبعين أمة ــ يعني تكملون سبعين أمة من الأمم الماضية ــ أنتم آخرها وأكرمها على الله، وما بين مصراعين من مصاريع الجنة مسيرة أربعين عامًا، وليأتينَّ عليه يوم وإنه لكظيظ} صححه العلامة الألباني ..
تأمل أخي الكريم ما بين طرفي الباب أربعين سنة , يعني لو أن الشخص مشى مدة أربعين عاما فإنه يصل إلى الطرف الآخر من الباب .. ولاشك أن هذا يدل على سعة تلك الأبواب وعظمتها ..
¥