ـ[سعاد عبداللطيف]ــــــــ[14 Oct 2010, 08:24 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
رحلة إلى بلاد الأشواق " 4 "
فضيلة الشيخ/د. خالد بن عبد الرحمن الشايع
أحمد الله تعالى .. وأصلي وأسلم على خير خلقه نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ..
أما بعد ...
لازلت وإياكم أيها الإخوة في الله في هذه الرحلة الكريمة .. إلى بلاد الأشواق .. أسأل الله تعالى أن يجمعنا جميعا ًفي رحابها ..
تقدّم الحديث عن عظمة هذه الدار الكريمة , وما أعدّ الله تعالى ووعد فيها من الخيرات , هذه الدار العظيمة فيها ولها أبواب , جاء وصفها في كتاب الله تعالى وفي سنة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام , جاءت الإشارة إلى جملة الأبواب في القرءان الكريم وبيّنت السنة المطهرة عدد تلك الأبواب ..
وفي هذا يقول الرب سبحانه وتعالى ((وسِيقَ اللذينَ اتقَوا رَبَّهُم إلى الجنّةِ زُمرَا حتى إذا جَاءُوهَا وفُتِحَت أبوابُها وقالَ لَهُم خَزَنَتهَا سلامٌ عَليكُم طبتم فادخُلوهَا خَالِدين)) وها هنا بحث لأهل العلم فيما يتعلق بالواو (وفتحت أبوابها) والصحيح أن الجواب محذوف , وقوله سبحانه (وفتحت أبوابها) عطف على قوله (جاءوها).
قال المبرّد: {وحذف الجواب أبلغ عند أهل العلم} , بقي أن يقال فما السر في حذف الجواب في آية أهل الجنة ,وذكره في آية أهل النار؟! ويقال هذا أبلغ في الموضعين , كما يقول العلامة ابن القيم: {فإن الملائكة تسوق أهل النار إليها وأبوابها مغلقة , حتى إذا وصلوا إليها فتحت في وجوههم ففاجأهم العذاب بغتة .. أما الجنّة فإنها دار الله تعالى ودار كرامته , ومحل خواصّه وأولياءه , فإذا انتهوا إليها صادفوا أبوابها مغلقة فيذهبون إلى صاحبها ومالكها أن يفتحها لهم , ويستشفعون إليه بأولي العزم من رسله ,فكلهم يتأخر عن ذلك , حتى تقع الدلالة على خاتمهم وسيدهم وأفضلهم فيقول: {أنا لها} فيأتي إلى تحت العرش , ويخرّ ساجدا ًلربه , فيدعه ما شاء أن يدعه ثم يأذن له في رفع رأسه , وأن يسأل حاجته فيشفع إليه سبحانه في فتح أبوابها , فيُشفّعه ويفتحها تعظيما ًلخطرها وإظهارا ًلمنزلة رسوله وكرامته عليه ..
وإن مثل هذه الدار التي هي دار ملك الملوك رب العالمين , إنما يُدخل إليها بعد تلك الأهوال العظيمة التي أولها من حين عقل العبد في هذه الدار إلى أن انتهى إليها , وما ركبه من الأطباق طبقا ًبعد طبق , وقاساه من الشدائد شدّة ًبعد شدّة , حتى أذن الله تعالى لخاتم أنبياءه ورسله وأحب خلقه إليه أن يشفع إليه في فتحها لهم , وهذا أبلغ وأعظم في تمام النعمة وحصول الفرح والسرور , مما يُقدر عليه بخلاف ذلك.
ولئن لا يتوهم الجاهل إنها بمنزلة الخان الذي يدخله من شاء , فجنة الله عالية غالية , بين الناس وبينها من العقبات والمفاوز والأخطار ما لا تنال إلا به , فما بمن أتبع نفسه هواها وتمنّى على الله الأماني , ولهذه الدار فليعد عنها إلى ما هو أولى به و قد خُلق له وهُيئَ له} كما يقول ابن القيم رحمه الله ..
وتأمل ما في فوت الفريقين إلى الدارين زمرا ًمن فرحة هؤلاء بإخوانهم وسيرهم معهم كل زمرة على حدا , مشتركين في عمل , متصاحبين فيه على زمرتهم وجماعتهم , مستبشرين أقوياء القلوب كما كانوا في الدنيا وقت اجتماعهم على الخير , كذلك يؤنس بعضهم بعضا , ويفرح بعضهم ببعض.
وقال خزنة الجنة لأهلها (سلام عليكم) فبدءوهم بالسلام المتضمّن للسلامة من كل شر ومكروه , أي سلمتم فلا يلحقكم بعد اليوم ما تكرهون ,ثم قالوا لهم (طبتم فادخلوها خالدين) أي سلامتكم ودخولها بطيبكم فإن الله تعالى حرمها إلا على الطيبين , فبشّروهم بالسلامة والطيب والدخول والخلود.
وتأمل قوله سبحانه ((جنّات ِ عدنٍ مفتحةً لهمُ الأبواب متكئينَ فيهَا يدعونَ فيها بفاكهةٍ كثيرةٍ وشراب)) كيف تجد تحته معنا ًبديعا وهو أنهم إذا دخلوا الجنة لم تُغلق عليهم أبوابها , بل تبقى مفتّحة ًكما هي ..
وأيضا ًفإن تفتيح الأبواب لهم إشارة إلى تصرّفهم وذهابهم وإيابهم وتبوءهم من الجنة حيث شاءوا , ودخول الملائكة عليهم كل وقت بالتحف والألطاف من ربهم , ودخول ما يسرّهم عليهم كل وقت. وأيضا ًإشارة إلى أنها دار أمن لا يحتاجون فيها إلى غلق الأبواب , كما كانوا يحتاجون إلى ذلك في الدنيا ..
¥