مرحبا ًبكم أيها الأحبة الكرام .. في هذه الحلقة الجديدة في رحلتي وإياكم إلى بلاد الأشواق ..

في هذه الحلقة .. أواصل التمهيد للبدء في وصف الجنة .. وكنت قد ذكرت في حلقات ماضية , ما يتعلق بأن الجنة مخلوقة وموجودة الأن , وأن جاء الحديث عن مكان الجنة وأين هي وجاء الحديث عن بيان سعة الجنة وعظم خلقها ..

في هذه الحلقة نُفصّل الحديث في مسألة أخرى وهي: "بيان أسماء الجنة ومعانيها واشتقاقاتها " ..

هذه المسألة بحثها العلامة ابن القيم رحمه الله , مفصّلة في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح " ومنه ألخص ذلك وهو مرجع أصيل في وصف الجنة كما نبهّت من قبل ..

يقول رحمه الله: {ولها عدّة أسماء باعتبار صفاتها ومسمّاها واحد باعتبار الذات , فهي مترادفة من هذا الوجه , وتختلف باعتبار الصفات , فهي متباينة من هذا الوجه .. وهكذا أسماء الرب تبارك وتعالى وأسماء كتابه وأسماء رسوله وأسماء اليوم الآخر وأسماء النار ..

أما الاسم الأول في جنات النعيم:

" الجنّة "

فهو الاسم العام المتناول لتلك الدار , وما اشتملت عليه من أنواع النعيم , واللذة والبهجة والسرور وقُرّة الأعين ,

وأصل اشتقاق هذه النقوة من الستر والتغطية , ومنه الجنين لاستتاره عن العيون , والمِجَن لستره ووقايته الوجه , والمجنون لاستتار عقله وتواريه عنه , ومنه سمي البستان جنة لأنه يستر داخله بالأشجار ويغطيه.

الاسم الثاني:

"دار السلام "

وقد سمّاها الله بهذا الاسم بقوله سبحانه ((لَهُم دارُ السلامِ عندَ رَبّهِم)) وفي قوله ((واللهُ يَدعُو إلى دارِ السّلامِ)) وهي أحق بهذا الاسم , فإنها دار السلام من كل بليّة وآفة ومكروه , وهي دار الله واسمه سبحانه وتعالى السلام الذي سلّمها وسلّم أهلها.

الاسم الثالث:

" دار الخلد "

وسميت بذلك لأن أهلها لا يضعنون عنها أبداً ولا ينتقلون , قال الله تعالى ((ومَا هم مِنهَا بِمُخرجِين)) وقال سبحانه ((أكُلُهَا دَائِمٌ وظِلُهَا)).

الاسم الرابع:

" دار المقامة "

قال الله تعالى حكايةً عن أهلها ((وقالوا الحمد للهِ الذي أذهبَ عَنا الحَزنَ إنّ رَبنا لغفورٌ شكور الذي أحلّنا دارَ المُقامةِ من فضلهِ لا يمسُّنا فِيها نَصَبٌ ولا يمسّنا فِيها لُغُوب)).

الاسم الخامس:

" جنّة المأوى "

قال الله تعالى ((عِندها جنّةُ المَأوى)) وقال سبحانه ((وأمَّا مَن خافَ مقامَ ربّهِ ونَهَىَ النّفسَ عنِ الهَوى فَإنَّ الجنّةَ هِيَ المَأوى)) والمأوى مفعل من أوى يأوي إذا انضم إلى المكان وصار إليه واستقر به.

الاسم السادس:

" جنّات عدن "

قال الله تعالى ((جناتُ عَدْنٍ التي وعَدَ الرحمنُ عبادهُ بالغيبِ)) والاشتقاق من عدن من عَدَنَ بمعنى أقام ولم يبرح.

الاسم السابع:

" دار الحيوان "

قال الله تعالى ((وإنَّ الدارَ الآخرةَ لهيَ الحيوان)) والحيوان بمعنى الحياة الدائمة الحق التي لا زوال لها ولا انقضاء , بل هي مستمرة أبد الآباد.

الاسم الثامن:

" الفردوس "

قال الله تعالى ((أولائكَ هُمُ الوارِثُون اللذينَ يرثُونَ الفِردَوسَ هُم فِيهَا خالِدُون)) وأصل الفردوس البستان , قالوا: وحقيقته أنه البستان الذي يجمع كل ما يكون في البساتين.

الاسم التاسع:

" جنّات النعيم "

قال الله تعالى ((إنَّ اللذينَ آمَنوا وعَمِلُوا الصَالِحَات لَهُم جنّاتُ النّعِيم)) وهذا أيضاً اسم جامع لجميع الجنات , وذلك لما تضمنته من الأنواع التي يُتنعّم بها من المأكول والمشروب والملبوس والصور , ومن الرائحة الطيبة والمنظر البهيج , والمساكن الواسعة , وغير ذلك من النعيم الظاهر والباطن.

الاسم العاشر:

" المقام الأمين "

قال الله تعالى ((إنَّ المتّقينَ في مقامٍ أمين في جناتٍ وعيون)) والمقام موضع الإقامة , والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه , وهو الذي قد جمع صفات الأمن كلها , فهو آمن من الزوال والخراب وأنواع النقص , وأهله آمنون فيه من الخروج والنقص والنكد. وتأمل كيف ذكر سبحانه الأمن في قوله تعالى ((إنَّ المُتّقينَ في مقامٍ أمين)) وفي قوله تعالى ((يدعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنين)) فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام , فلا يخافون انقطاع الفاكهة ولا سوء عاقبتها ولا مضرّتها. وجمع لهم أيضاً أمن الخروج منها فلا يخافون ذلك , وأمن الموت فلا يخافون فيها موتا ..

الاسم الحادي عشر والثاني عشر:

" مقعد الصدق وقدم الصدق "

قال الله تعالى ((إنَّ المُتّقينَ في جنّاتٍ ونَهر في مَقعدِ صدقٍ عند مليكٍ مقتدر)) فسمّى الجنّة مقعد صدق لحصول كل ما يراد من المقعد الحسن فيها , كما يقال مودّة صادقة إذا كانت ثابتةً تامّة. قال ابن كثير رحمه الله: {في مقعد صدق أي في دار كرامة الله ورضوانه وفضله وامتنانه وجوده وإحسانه}. قال ابن القيم: {ومنه قدم الصدق ولسان الصدق ومدخل الصدق ومخرج الصدق , وذلك كله للحق الثابت المقصود الذي يُرغب فيه إفلات الكذب الباطل الذي لا شيء تحته ولا يتضمن أمراً ثابتا} , وفسّر قول (قدم صدق) بالجنة , وفُسّر بالأعمال الصالحة التي تُنال بها الجنة , وفُسّر بالسابقة التي سبقت لهم من الله , وفُسّر بالرسول الذي على يده وهدايته نالوا ذلك .. هذا التفسير بقوله سبحانه ((وبشّرِ اللذينَ آمنوا أنّ لَهم قدمَ صدقٍ عند ربّهِم)) , قال ابن القيم: {والتحقيق أن الجميع حق , فإنهم سبقت لهم من الله الحسنى بتلك السابقة أي بالأسباب التي قدّرها لهم على يدي رسوله وادّخر لهم جزاءها يوم لقاءه}.

وبعد .. أيها الكرام .. فتلك جملة من أسماء الجنة , ومن المعلوم أن كثرة الأسماء للشيء تدل على شرفه وعظيم شأنه .. وفي تلك الأسماء ما يُشوّق النفوس إلى نيل الجنة ويجعلك تعمل على دخولها ..

************************************************** ****************************************

** الحلقة في المرفقات**

للاستماع لتلك للحلقة المباركة:

http://www.liveislam.net/browsearchive.php?sid=&id=79721

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015