بإلهام بارئ النسم " ([25]).
وتشتمل الأهمية العلمية للحكم على القراءات على الجوانب العقدية والفقهية.
أما الجانب العقدي:
فإن ما قُطع على صحته يكفر من جحده لأنه من القرآن، وكل قراءة ثبتت على هذا النحو فهي مع القراءة الأخرى بمنزلة الآية مع الآية، كلاهما حق يجب الإيمان بهما والعمل بهما، وسواء كانتا قراءتين أم أكثر، وأما ما لم يقطع على صحته فإنه لا يكفر من جحده، لأن ذلك من موارد الاجتهاد التي لا يلحق النافي ولا المثبت فيها تكفير ولا فسق، والأولى أن لا يُقدم على الجزم بردّ قرآنيته، وأما ما لم يثبت نقله ألبته أو جاء من غير ثقة فلا يقبل أصلا ([26]).
وأما الجانب الفقهي:
فهو منبثق من الجانب العقدي، إذ ما قطع عليه من القراءات بكونه قرآنا جازت القراءة به في الصلاة وخارجها، وما لم يقطع بصحته فقد اختُلف فيه ([27]).
والقراءة الصحيحة المقروء بها لا خلاف في الاحتجاج بها، والأظهر أن الشاذ من القراءات إذا صح نقله فإنه يحتج به في الأحكام وإذا لم يصح نقله فلا يجوز الاستدلال به في الأحكام ([28]).
وينبغي أن يحمل ذلك على ما جاء في التفسير واللغة أيضا، فلا يُستند فيها إلا على قراءة صحيحة ولو كانت منقولة نقلا آحادا، كما أن القراءة إذا ثبتت وجب قبولها وعدم ردها ولو أباها بعض النحويين ([29]).
حقا فدراسة القراءات والحكم عليها ذات أهمية فائقة، وتبرز هذه الأهمية في سائر فروع القراءات ومجالاتها النقلية والعقلية، ولا سيما في معايير قبول القراءات واختيارها، وفي مقدمتها أركان قبول القراءة السالفة الذكر.
ولا تزال القيمة العلمية في ذلك ذات أهمية فائقة، وبخاصة في القراءات التي لا يقرأ بها الآن، وأكثرها يذكر في الكتب غير معزو بَلْهْ بيان نوعها ودرجتها، وربما أُخذ بها في الأحكام الفقهية والمعاني التفسيرية والقواعد اللغوية وغيرها، وإذا اتضح أن ما كان كذلك من القراءات لا يحتج به إلا إذا كان بنقل صحيح فإن البحث فيها من أولى المهمات.
الفصل الثاني: أنواع القراءات ومراتبها، ويشتمل على مبحثين:
المبحث الأول: ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به.
المبحث الثاني: مراتب القراءات.
أنواع القراءات ومراتبها
كان لأحوال القراءات التاريخية أثر بين في تنوعها، وتعتبر العرضة الأخيرة المرحلة التي عليها الاعتماد، ولا سيما بعد الجمع العثماني ([30])، ومن ثم فإن ما خالف الرسم أقل رتبه مما وافقه أو احتمله.
كما أن لنقل القراءات والمشافهة بها أثرا في تفاوت القراءات وتفاضلها، إذ تتنوع بحسب رواتها كثرة وقلة وقوة وضعفا.
وثمة اعتبارات أخرى تعطي القراءات مجالا أوسع في تعداد أنواعها، وسيتناول هذا المبحث منها ما يخص الحكم منها، حيث ستتم دراسة القراءات من جهة المقروء به وغير المقروء به، ومراتب كل منهما.
ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به
ليس كل ما يُروى من القراءات تجوز القراءة به الآن، وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يُعوّل عليه في ذلك؟ أهو ما جاء عن القراء السبعة أو عن العشرة؟ أو ما توفرت فيه أركان صحة القراءة وإن كان عن غير السبعة و العشرة؟ أو أن المعتمد عليه في ذلك ما ورد في كتب القراءات أو كتب معينة منها ككتاب السبعة والشاطبية والنشر؟
والحق أن الذي يجب أن يعول عليه ما نقل متواترا مشافهة، واستمرّ على هذا النحو، حيث ورد عن غير واحد من الصحابة والتابعين أن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول ([31])، وعن علي بن أبي طالب (ت 40 هـ) رضي الله عنه أنه قال:" إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن يقرأ كل رجل كما عُلّم " ([32]).
وذلك أن القراءات لا تضبط إلا بالتلقي والسماع من الشيوخ ومشافهتهم بها كما أخذوها عمن قبلهم هكذا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا يمثل الشرط الأول في أركان القراءة، وهو صحة النقل، والشرطان الآخران وهما الرسم والعربية لازِمان لهذا النوع من القراءات المقروء بها ([33]).
وليس كل ما شُوِفهَ به يُقرأ به اليوم، بل لابد من اتصاله بأهل العصر، ولذلك فإن كثيرا من القراءات كان يقرأ بها ([34])، بيد أن انقطاع إسنادها مشافهة لقصور الهمم أدى إلى إهمالها ومن ثم لم تتصل، وعليه فلا تجوز القراءة بها الآن.
¥