والذي عليه قراءة هذا العصر هو ما اتصل بالقراء العشرة، وهم:

ابن عامر الشامي (ت 118 هـ) وابن كثير المكي (ت 120 هـ) وعاصم بن أبي النَّجود (127 هـ) وأبو عَمرو البصري (ت 154 هـ) وحمزة الزيات (ت 156 هـ) ونافع المدني (ت 169 هـ) والكسائي (ت 189 هـ) والثلاثة الذين يكتمل بهم العشرة، وهم أبو جعفر المدني (130 هـ) ويعقوب الحضرمي (ت 205 هـ) وخلف البزار (ت 229 هـ).

وليس كل ما يُعزى إلى هؤلاء يُقرأ به، بل لا يقرأ إلا بما ثبت عنهم على وجه المشافهة دون انقطاع ([35]).

وليس لأحد أن يقرأ بأوجه القراءات المقروء بها عن الأئمة العشرة إلا إذا شافهه بها، لأن القراءة سنة متبعة يأخذها الآخر عن الأول كما تقدم، قال شيخ الإسلام ابن تيمية (ت 728 هـ): " ولم ينكر أحد من العلماء قراءة العشرة، ولكن من لم يكن عالما بها أو لم تثبت عنده ... فليس له أن يقرأ بما لا يعلمه" ([36]).

والذي لا يقرأ به أكثر مما يقرأ به، فإن في سورة الفاتحة ما يناهز خمسين اختلافا من غير المقروء به، وفي سورة الفرقان نحو مائة وثلاثين موضعا ([37]).

وما ترك من القراءات له أصل في الشرع، وإلا كانت الأمة آثمة بعدم أدائه، وهذا الأصل هو قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث الأحرف السبعة: " فاقرؤوا ما تيسر منه " ([38])، حيث دلّ الحديث على أن نقل جميع حروف القراءات ليس نقل فرض وإيجاب، وإنما كان أمر إباحة وترخيص ([39])، وبذلك يظهر وجه علّة الأوجه والروايات التي كان يقرأ بها في الأمصار عن الأئمة السبعة أو العشرة ثم اندثرت، مثال ذلك قول الحافظ أبي العلاء (ت 569 هـ) في مقدمة غايته: " فإن هذه تذكرة في اختلاف القراء العشرة الذين اقتدى الناس بقراءتهم، وتمسكوا فيها بمذاهبهم من أهل الحجاز والشام والعراق " ([40])، ثم ذكر بعد ذلك رواتهم ومنهم شجاع ابن أبي نصر (190 هـ) وأبو زيد الأنصاري (ت 215 هـ) عن أبي عمرو البصري (ت 154 هـ)، وقتيبة ابن مِهْران (ت بعد 200 هـ) عن الكسائي (ت189 هـ) وغيرهم، في حين أن روايات هؤلاء وأمثالهم لا يقرأ بها الآن ([41]).

وأما ما يذكر في كتب القراءات على وجه القراءة مع مخالفته للرسم فقد حمله أكثر العلماء على وجه التعليم فحسب، وذلك من أجل الاستفادة في الأحكام الشرعية والأدبية ([42]).

مراتب القراءات

تختلف مراتب أوجه القراءات على أنواع شتى، فمن أوجهها المتواتر والمشهور والآحاد والضعيف، ومنها المسند على وجه الأداء والتلاوة، والمسند على وجه الرواية دون تلاوة، ومنه المذكور في كتب أهل العلم دون إسناد ومنها ما لا أصل له ... ، غير أنها كلها تؤول إلى نوعين، وهما:

النوع الأول: القراءة المتواترة.

النوع الثاني: القراءة الشاذة.

أولا ـ القراءة المتواترة:

وهي القراءات التي اشتملت على شروط صحة القراءة المشهورة، وهي السند والرسم والعربية.

والمقصود بالسند: ثبوت الوجه من القراءة بالنقل الصحيح عن الثقات ([43])، وهو غير معدود عندهم من الغلط أو مما شذ به بعضهم ([44])، وقد اختلفت تعبيرات العلماء في ذلك اختلافا يوهم التناقض، فمنهم من نص على الآحاد ([45])، ومنهم من قيده بالشهرة والاستفاضة ([46])، ومنهم من صرح بالتواتر وهم الأكثرون ([47])، وقد استبان بعد النظر في أقوالهم أن الخلاف صوري، فمن نظر إلى أسانيد القراء من جهة نظرية على ما هو مذكور في أسانيد مصنفاتهم وجد كثيرا من أوجه الاختلاف تشتمل على أسانيد آحادية أو مشهورة، ومن نظر إليها من جهة الوقوع عدها متواترة وأجاب بأن انحصار الأسانيد ـ ولو كانت آحادية ـ في طائفة معينة لا يمنع مجيء القراءات عن غيرهم إذ مع كل واحد منهم في طبقته ما يبلغها حد التواتر، لأن القرآن قد تلقاه من أهل كل بلد الجم الغفير طبقة بعد طبقة وجيلا بعد جيل، ولو انفرد أحد بوجه دون أهل تلك البلد لم يوافقه على ذلك أحد ([48]) "، ومما يدل على هذا ما قاله ابن مجاهد: قال لي قُنبل: قال لي القوّاس: ـ في سنة سبع وثلاثين ومائتين ـ الق هذا الرجل ـ يعني البَزِّي ـ فقل له: هذا الحرف ليس من قراءتنا،يعني) وما هو بميت (([49]) مخففاً، وإنما يخفف من الميت من قد مات، ومن لم يمت فهو مشدد، فلقيت البَزِّي فأخبرته فقال: قد رجعت عنه " ([50]).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015