ويأتي هذا البحث القرآني ليعنى بدراسة قضية أخذت حيزا من اهتمام علماء القراءات، غير أنها لم تفرد بمؤلَّف يُسهّل على الباحثين تقريب مباحثها، فجاء هذا البحث ليلمّ ما تشعّب من مسائلها، ويكشف اللثام عن تاريخها وأصولها، في دراسة موضوعية تطبيقية.

ومن الله تعالى أستمد العون، ومنه سبحانه أستلهم الرشاد.

أهمية الموضوع:

يمثل هذا الموضوع دعامة مهمة في الحكم على القراءات وفق المنهج الأمثل الذي اعتمد عليه حذاق القراء ومحرريهم.

وهو ذو أهمية ضرورية، إذ به يعرف ما يقبل من القراءات وما يُبنى عليها من أحكام شرعية وتعبدية وما لا يُقرأ به منها وما لا يعمل به أيضا.

وتشمل هذه الدعامة الجوانب اللغوية وجميع المسائل التي تنبني على هذا العلم في التفسير وغيره.

والحق أن هذا الموضوع يُعمل الفكر ويذكي جذوته في البحث عن ضبط حروف القرآن الكريم وقراءاته، وفي ذلك فوائد جليلة، وإليها أشار الحافظ ابن الجزري (ت 833 هـ) بقوله:

فليحرص السعيد في تحصيله * ولا يَملّ قط من ترتيله

وليجتهد فيه وفي تصحيحه * على الذي نُقل من صحيحه ([1])

وحاجة الباحثين في الدراسات القرآنية وما يتصل بها إلى هذا الموضوع أكثر من غيرهم، إذ تستدعي دراستهم معرفة المنهج الذي يتم على ضوئه الحكم علي القراءات بناء على الأسس والمعايير العلمية.

وقد لُحظ أن عددا من الباحثين إذا وجد القراءة في كتاب السبعة لابن مجاهد (ت 324 هـ) حكم بتواترها، ومنهم من إذا وجدها في مختصر شواذ القرآن لابن خالويه (ت370 هـ) أو المحتسب لابن جني (ت 392 هـ) حكم بشذوذها، وذلك منهج غير صحيح، كما سيتضح من خلال هذه الدراسة إن شاء الله تعالى، ولا شك أن بيان المنهج الصحيح والحالة هذه أمسى ضرورة ملحّة، ولا سيما أن المصادر التي تثري هذا الموضوع توفرت في هذا الوقت أكثر من ذي قبل، حيث نشطت حركت تحقيق كتب القراءات وطبعها، كما تيسرت ـولله الحمدـ سبل الاطلاع على المخطوطات واستجلابها، وذلك يلقي بظلاله على المهتمين بعلم القراءات دراسة هذا الموضوع وأمثاله على نحو أعمق.

ولا تقتصر أهمية الموضوع على الباحثين فحسب، فالموضوع يتصل بكلام الله جل وعلا وشرعة هذه الأمة ومنهاجها، والأعداء يتربصون بالأمة الإسلامية وكتابها أشد التربّص، لنفث سمومهم ونشر شبهاتهم للطعن في القرآن الكريم من خلال اختلاف قراءاته.

ولئن كان مثار الجدل حول اختلاف أوجه القراءات مقصورا على فئات معينة فإنه في هذا العصر أصبح أكثر اتساعا بواسطة وسائل الإعلام والاتصال المتعددة التي لم يسبق لها مثيل.

فهذا الموضوع وأشباهه من أهم الموضوعات التي ينبغي أن يتجرد لها أهل الاختصاص لحماية هذه الثغرة والحفاظ على ميراثنا الرباني المجيد، ويأتي في مقدمة تلك الموضوعات ما يُعنى بالأسس والمناهج التي إذا أُبرزت بالصورة الصحيحة أسهمت في الكشف عن مظهر حضاري لهذا الدين العظيم، ألا وهو سلامة مناهجه، وثبات مقاييسه، وصدقية أحكامه.

هدف البحث:

يستهدف هذا البحث دراسة الكلمات القرآنية التي قرئت على أكثر من وجه، وذلك بالكشف عن الأسس والضوابط المعتبرة التي عوّل عليها القراء في الحكم علي القراءات، مع دراسة تطبيقية ترسخ ذلك المنهج لدا الباحثين نظريا وعمليا.

خطة البحث:

تتكون خطة هذا البحث من مقدمة وأربعة فصول وخاتمة،وذلك على النحو التالي:

المقدمة: وتتضمن أهمية البحث وهدفه وخطته، كما تقدم بيانه.

الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته، ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات.

المبحث الثاني: أهمية الحكم على القراءات.

الفصل الثاني: أنواع القراءات ومراتبها، ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: ما يُقرأ به وما لا يُقرأ به.

المبحث الثاني: مراتب القراءات.

الفصل الثالث: الخطوات العلمية للحكم على القراءات، ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: الحكم على القراءة عن طريق مصادرها.

المبحث الثاني: الحكم على القراءة من خلال دراستها.

الفصل الرابع: الدراسة التطبيقية على الحكم على القراءات.

الخاتمة: وتتضمن أهم نتائج البحث.

...

الفصل الأول: تاريخ الحكم على القراءات وأهميته ويشتمل على مبحثين:

المبحث الأول: تاريخ الحكم على القراءات.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015