2 - أن من المعلوم أن القرآن الكريم قد تضمن كليات الشريعة وقد استدل به السلف على مسائل لم تكن موجودة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم ولا يمكن أن يكون هذا الاستدلال إلا بطريق الاجتهاد والأمثلة في ذلك كثيرة مما يدل على عدم توقفهم على المأثور فقط ().
3 - أن عدداً من السلف رحمهم الله كان يرد تفسير معاني القرآن إلى اللغة العربية ويستشهد على ذلك منها وهذا ليس من التفسير بالمأثور. قال ابن الأنباري: "وجاء عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وتابعيهم رضوان الله عليهم من الاحتجاج على غريب القرآن ومشكله باللغة والشعر ما بين صحة مذهب النحويين في ذلك وأوضح فساد مذهب من أنكر ذلك عليهم.من ذلك ... أن ابن عباس قال: إذا سألتموني عن غريب القرآن فالتمسوه في الشعر فإن الشعر ديوان العرب" ().
قال القرطبي رحمه الله: " وقال بعض العلماء إن التفسير موقوف على السماع، لقوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) [النساء: 59]. وهذا فاسد، لأن النهي عن تفسير القرآن لا يخلو: إما أن يكون المراد به الاقتصار على النقل والمسموع وترك الاستنباط، أو المراد به أمراً آخر. وباطل أن يكون المراد به ألا يتكلم أحد في القرآن إلا بما سمعه، فإن الصحابة رضي الله عنهم قد قرؤوا القرآن واختلفوا في تفسيره على وجوه، وليس كل ما قالوه سمعوه من النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس وقال: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فإن كان التأويل مسموعاً كالتنزيل فما فائدة تخصيصه بذلك؟! وهذا بيّن لا إشكال فيه " ().
= ثالثاً: ما ذكره من أن أوائل من تكلموا في التفسير لم يلقوا عدم التشجيع فحسب وإنما وضعت أمامهم علامات التحذير وأنه كان يُنظر للمشتغل بالتفسير بعين الارتياب وأن الوعي الجاد كان يتراجع دون مزاولة ذلك في مهابة ونفور.
فالجواب على ذلك إضافة لما سبق من أن التحذير والنهي كان من التفسير بالرأي المذموم فإننا نجد من أقوال السلف رحمهم الله ما يدل على التشجيع والحث على تفسير كتاب الله تعالى:
من ذلك ما رواه ابن جرير عن سعيد بن جبير رحمه الله قال: " من قرأ القرآن ثم لم يفسره كان كالأعمى أو كالأعرابي" ().
وما جاء عن ابن أبي مليكة قال: رأيت مجاهداً يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباس: " اكتب " قال: حتى سأله عن التفسير كله ().
وقد ورد الثناء ممَنْ أسماهم " الممثلون الأتقياءُ للمصالح الدينية " ولعله يقصد الخلفاء كأبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم ورد عنهم الثناء والتشجيع لمن فسر القرآن:
قال علي رضي الله عنه: "ابن عباس كأنما ينظر إلى الغيب من ستر رقيق" (). قال القرطبي: وكان علي رضي الله عنه يثني على تفسير ابن عباس ويحض على الأخذ عنه ().
وجاء أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر جابر بن عبد الله ووصفه بالعلم فقال له رجل: جُعلت فداءك تصف جابراً بالعلم وأنت من أنت؟! فقال: " إنه كان يعرف تفسير قوله تعالى: " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " [القصص: 85]. ().
وقال عبد الله بن مسعود وهو من كبار الصحابة رضي الله عنهم: (نعم ترجمان القرآن عبد الله بن عباس " (). وقال الحسن رحمه الله: " والله ما أنزل الله آية إلا أحب أن يعلم فيما أنزلت وما يعني بها (). فهذه الآثار وغيرها تدل على عدم صحة ما أراد تصويره من أن السلف كانوا يضعون أمام أوائل المفسرين علامات التحذير والمنع من الخوض في التفسير بل فيها الحث والمدح والثناء مما لا يخفى أنه دافع لفهم واستشراح كتاب الله تعالى من غير تقييد منهم بالأثر.
ـ[طالب يتعلم]ــــــــ[24 May 2004, 10:58 ص]ـ
جزاكم الله خيرا على هذا الطرح
ننتظر الجزء المتبقي من البحث
والتعرض للشبهة الثانية
ـ[أحمد البريدي]ــــــــ[20 Nov 2006, 04:16 م]ـ
لقد انتفعنا بما كتبت يا شيخ فهد , وننتظر بقية البحث لأهميته ,شكر الله لك.
ـ[فهد الوهبي]ــــــــ[19 Feb 2007, 02:02 ص]ـ
بارك الله فيكما .. وأشكركم على الاطلاع وسوف أطرح المتبقي قريباً ..