أ ـ تفسير بالرأي المذموم: وهو تفسير القرآن تفسيراً غير جارٍ على قوانين العربية ولا موافقاً للأدلة الشرعية ()، وهو التفسير بمجرد الهوى وبلا استكمال لأدوات التفسير وشروطه. وجميع ما ورد من الأحاديث والآثار التي فيها النهي عن التفسير بالرأي إنما قصد بها هذا النوع من التفسير. وإنما قلنا بحملها على هذا النوع من الرأي لوجود أدلة أخرى تدل على جواز التفسير بالرأي المحمود وعلى وقوعه عند السلف رحمهم الله تعالى وعلى رأسهم الصحابة الكرام كما سيأتي.

ب ـ تفسير بالرأي المحمود: وهو تفسير القرآن بموافقة كلام العرب مع موافقة الكتاب والسنة ومراعاة شروط التفسير (). وهذا النوع من التفسير لا يمكن إنكاره عن السلف بل إن السلف رحمهم الله تعالى قد وضحوا معاني كلام الله تعالى بأقوال لم يسندوها إلى من سبقهم وإنما فهموها من كلام الله تعالى ومما يدل على ذلك اختلافهم رحمهم الله تعالى في تفسير كثير من الآيات.

وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (فهذه الآثار الصحيحة وما شاكلها عن أئمة السلف محمولة على تحرجهم عن الكلام في التفسير بما لا علم لهم به، فأما من تكلم بما يعلم من ذلك لغة وشرعاً فلا حرج عليه، ولهذا روي عن هؤلاء وغيرهم أقوال في التفسير و لا منافاة لأنهم تكلموا فيما علموه وسكتوا عما جهلوه، وهذا هو الواجب على كل أحد، فإنه كما يجب السكوت عما لا علم له به فكذلك يجب القول فيما سئل عنه مما يعلمه لقوله تعالى: (لتبيينه للناس ولا تكتمونه) [آل عمران: 187].ولما جاء في الحديث المروي من طرق: " من سئل عن علم فكتمه ألجم يوم القيامة بلجام من نار " ()) () أ. هـ.

ومما يدل على جواز هذا النوع من التفسير:

أ ـ الأدلة الكثيرة الواردة في كتاب الله تعالى والتي تحث على الاعتبار والاتعاظ بالقرآن الكريم: من مثل قوله تعالى: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) [محمد: 24] وقوله: (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) [ص: 29] وقوله: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم) [النساء: 83]. وقد دلت الآية الأخيرة على أن في القرآن ما يستنبطه أولوا الألباب باجتهادهم.

ب ـ اختلاف الصحابة رضي الله عنهم في تفسير القرآن على وجوه ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه من النبي صلى الله عليه وسلم.

ج ـ دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما بقوله: (اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل) فلو كان التفسير مقصوراً على السماع، لما كان هناك فائدة من تخصيصه رضي الله عنه بهذا الدعاء ().

د ـ أن من نُقل عنهم التحرج من التفسير فقد نقل عنهم تفسير آيات من كتاب الله تعالى برأيهم ـ المحمود ـ فقد جاء عن أبي بكر رضي الله عنه أنه فسر " الكلالة " برأيه ووافقه عليها عمر رضي الله عنه حيث قال: " أقول فيها برأيي فإن كان صواباً فمن الله وإن كان غير ذلك فمني ومن الشيطان ... ) () فيحمل توقفهم في بعض الآيات على أنه من باب الورع أو لوجود من يكفي في الجواب عنهم أو لعدم اتضاح المعنى لديهم.

= ثانياً: تفسيره للعلم بأنه ما كان منقولاً فقط عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأن الذي يعد في نطاق علوم الدين في الإسلام علماً حقيقياً هو ما يرجع إلى أقدم الثقات:

لم يذكر لهذا الكلام مستنداً غير ما ذكر من تحذير السلف من الخوض في التفسير كما سبق بيانه والجواب على هذا الزعم:

هو أن السلف رحمهم الله تعالى كانوا يعدون من العلم المقبول في تفسير كلام الله تعالى ما كان عن طريق الاجتهاد بآلته الصحيحة حتى ولو لم يكن منقولاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضي الله عنهم أجمعين. ودليل ذلك ما يلي:

1 - عن أبي جحيفة رضي الله عنه أنه قال: " قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟ قال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن ... " () الأثر.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015