• وأما في كون المصدر الوحيد في التفسير هو التفسير المنقول المأثور فإنه يقول: (فإن القرآن لا يجوز تفسيره بالرأي ـ أي التفكير الذاتي () ـ ولا بالهوى ـ أي الميل الاختياري ـ وإنما الطريقة الصائبة الفذة في تفسير الكتاب الحكيم هي التفسير بعلم ()). ثم يفسر معنى العلم المراد في هذه الطريقة فيقول: (ولكن تحت لفظ " علم " لا يفهم عالمُ الدين الإسلامي () أصلاً نتاج التفكير الخاص ()، ولا حتى الخبر المتُلَقَّى من مصدر غير مختص، وإنما يفهم التعاليم المسندة إلى مصادر العلم المعتد بها وحدها ـ أي: المسندة بالرواية إلى الرسول نفسه أو إلى صحابته ـ فمن يستطيعُ أن يسند قوله إلى هذه المصادر فهو وحده الذي عنده العلم وكل ما عدا ذلك فهو رأي أو هوى أو حدس وتخمين ولاحق له أن يسمى علماً ... وإذاً فالذي يعد في نطاق علوم الدين في الإسلام علماً حقيقياً هو ما يرجع إلى أقدم الثقات الذين هم أهل للعلم عن طريق سند الرواية الشفوية الصحيح فحسب) (). ويؤكد أن التفسير المشهور بصوابه أي المؤسس على العلم هو ما يمكن إثباته عن النبي صلى الله عليه وسلم أو عن صحابته ().

• ثم إنه يبين عدم الحاجة إلى التفسير بالرأي مع وجود المأثور فيقول: (ولا يكاد يُحصى عدد الصحابة الذين يرجع إلى روايتهم " العلم " بتفسير مواضع القرآن وإذاً فلا يكاد الباحث الورع في القرآن يحس مرة بالحاجة إلى تدريب فكره الخاص في سبيل المخاطرة بالتفسير بالرأي، فإنه إذا اجتهد في تحصيل المأثور سيجد عن طرق الروايات التي قبلها النقد الإسلامي على أنها جديرة بالتصديق تفسيراً منقولاً ينتهي إلى زمن الصحابة) ().

• ولا يُظن أنه أراد بكلامه السابق الحث على الاعتناء بالتفسير بالمأثور ـ الذي هو أعلى نوعي التفسير ـ بل مراده فيما يظهر نزع الثقة من هذا النوع ـ التفسير بالرأي ـ وبيان عدم عناية السلف به ومن ثم هو سيطعن في التفسير بالمأثور مما يفقدنا النوع الثاني من أنواع التفسير حيث يقول: (على أن المجموعة الكبيرة من المادة المأثورة تسهل مهمة اتخاذ موقف ناقد منها، ولا نستطيع ـ على الرغم من كثرة الزيف القليل الفائدة ـ أن نقدر حق القدر ذلك النشاط الذي حفظ به الرواة المعلومات الهائلة الفياضة بالأقوال المتعارضة دون مبالاة ولا اكتراث) ().

ثم يخرج بنتيجة فيقول: (من الظواهر التي لاحظناها حتى الآن: يمكن استخلاص أنه لا يوجد تفسير مأثور موحد للقرآن) ().

وبعد ذلك كله يلمح إلى أن هذا هو المأثور الذي يعول عليه السلف حيث يقول: (وعلى هذا يمكن عد وجوه من التفسير مختلفة بعضها مع بعض ومتعارضة بعضها مع بعض تفسيراً بالعلم، مع التسوية بينها جميعاً في ذلك الحق ()) ().

الجواب على هذه الشبهة ():

= أولاً: تحريم التفسير بالرأي:

ذكر عدداً من الأدلة وملخصها:

1 - قوله تعالى: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره) [الأنعام: 68].

2 - نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التفسير بالرأي: كقوله صلى الله عليه وسلم: " من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ " ()، وكالحديث الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه يخشى على أمته من ثلاث وذكر منهم: " رجال يتأولون القرآن على غير تأويله" ().

3 - نهي الصحابة رضي الله عنهم وامتناعهم من تفسير القرآن بمجرد الرأي:

كما ورد عن أبي بكر رضي الله عنه قوله: " أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله ما لم أعلم " (). وكوقوف عمر رضي الله عن تفسير الأب في قوله تعالى: (وفاكهة وأبّاً) حيث قال: " عرفنا الفاكهة فما الأب؟ فقال: لعمرك يا ابن الخطاب إن هذا لهو التكلف " ().

4 - تحذير السلف من التفسير بالرأي: كقول سعيد بن جبير ـ رحمه الله ـ (ت:95هـ) قال لرجل طلب إليه تفسير بعض آيات القرآن فقال: " لأن تقع جوانبي خير لك من ذلك".

الجواب عن هذه الأدلة: يمكن الجواب عن هذه الأدلة التي ذكرها جولد زيهر بجواب عام وهو: أن العلماء قد قسموا التفسير بالرأي إلى قسمين:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015