اللهم لك الحمد على جسيم النعمة، وكريم المنة، وصلى الله على رسول محمد نبي الملحمة والرحمة أما بعد

أما بعد

فضيلة الشيخ عبدالرحمن

هضم النفس صفة لكم قديمة، وإخفاء القرب خلة للصالحين عظيمة،

وروح المسك لا يحبسها العفاص، ورغم التخفي وسم الصالحون بالخواص،

فما أحراك بقول القائل،

لا ذنب لي كم رمت كتم فضائلي فكأنما برقعت وجه نهار

وسترتها بتواضعي فتطلعت أعناقها تعلو على الأستار

أبا عبدالله،

لقد اطلعت على الجواب، وفهمت الخطاب، وشكرت لك حسن الظن بالمؤلف، فهي شنشنة الأخيار، وديدن الأبرار، مادام لحسن الظن محملا، وإني أعتقد ما قلت من أنه لم تخطر الإساءة بباله، ولا يعقل هذا في مثل حاله،

لكن الإشكال طرأ علي من العنوان فحسب، وقد تأملت ما تفضلتم به، وقرأته مرارا، فما زال إشكالي ولا هدأ بلبالي، وما أدري من أوتيت، أمن وهن ذراعي، أو قصر باعي،

وربما عجز الطبيب عن الدواء، لعي المريض عن إيضاح الداء، ولذا فإني أعيد الكرة، وأبسط هذه المرة،

وأحدد مرادي في نقاط

الأولى:

أن القرآن كلام الله غير مخلوق، وهو صفة من صفاته،وهو متقرر لديكم ولدى المؤلف بحمد الله تعالى، كما هو معتقد أهل السنة،

الثانية:

أن وقوع الظلم منفي بنص القرآن عن الله عز وجل والكلام عن الذات أصل الكلام عن الصفات، أو الكلام عن الصفات فرع الكلام عن الذات كما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في غير ما موضع من كتبه،

ونفي الظلم هذا نفي مطلق عام بلا قيد ولا تخصيص، فكما إنه لا يجوز أن يقال للمشرك والكافر إنه ظلم اللهَ تعالى، فكذلك القول في الصفات ومنها القرآن، سواء بسواء

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله وما ظلمونا قال نحن أعز من أن نظلم وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون قال يضرون 0 (الدر المنثور)

الثالثة:

قولنا هذا رجل مظلوم،

يعني وقوع الظلم عليه،

لأن أهل اللغة يقولون إن اسم المفعول صيغة تدل على ما وقع عليه الفعل

ولا مراء فيما ذكرتم من أصل معنى الظلم اللغوي وهو وضع الشيء في غير موضعه، غير أنه لا يستقيم عذرا للواصف الآيات بالمظلومات، لأن أصل الظلم كما قال ابن منظور: هو الجور ومجاوزة الحد، والقرآن معصوم من وقوع هذا عليه،

وقوع الظلم على المخلوق علامة ضعفه، وعجزه عند الدفع

ولذا يقول الأول

ولا يقيم على ضيم يراد به إلا الأذلان عير الحي والوتد

فهو صفة نقص والله منزه عنها،

ومن قواعد التنزيه في الصفات:

تنزيه الرب عن النقص في صفات الكمال ومن صفات كماله كلامه وآيات كتابه، فكما لا يجوز القول عن رحمته إنها مظلومة أو قدرته أو لطفه أو علمه، أنه مظلوم فكذا هنا فلا فرق،

الرابعة:

أنه قد جاءت نصوص خاصة، بحفظ الكتاب، وعدم تطرق الباطل إليه،

قال عز وجل: إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون

وقال عز وجل: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد،

الخامسة:

أن ظهر لي فرق بين آيات مشكلة، مبهمة، ومظلومة من وجهين:

الوجه الأول:

ان الإشكال والإبهام معروف في كلام العلماء جار على ألسنتهم، دون الظلم فلا أعلم هل جاء في كلامهم أم لا

الوجه الثاني:

أن الإشكال والإبهام منسوب للقارئ، وهو مستقيم على سنن اللغة،

فكون القرآن يكون مشكلا ليس هذا محل نقص

كما قال قال تعالى:

وهو عليهم عمى

ولا يزيد الظالمين إلا خسارا

وكذلك الإبهام،

وقد قال الأول

وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم

أما الظلم، فلا يتصور أن يقال مثلا، دولة مظلومة، أن ينصرف الذهن إلى أن من ظلمها هو المظلوم فتأمل،

السادسة:

قوله تعالى: إن الشرك لظلم عظيم،

جاء التعبير هنا بالمصدر، وهذا واضح، فيصرف الظلم إلى ظلم العبد لنفسه للنصوص العامة الدالة على نفي وقوع الظلم على الرب تعالى وتقدس

لكن استعمال صيغة المفعول في قول المؤلف (مظلومة)، تمنع الاحتمال، وتجعل التأويل بعيدا،

السابعة:

أن عبارات السلف تفسر الظلم بإيقاع الضرر غالبا، ونفيه نفي وقوعه

قال ابن جرير رحمه الله تعالى:

ويعني بقوله وما ظلمونا وما وضعوا فعلهم ذلك وعصيانهم إيانا موضع مضرة علينا ومنقصة لنا ولكنهم وضعوه من أنفسهم موضع مضرة عليها ومنقصة لها كما حدثت عن المنجاب قال ثنا بشر عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون قال يضرون وقد دللنا فيما مضى على أن أصل الظلم وضع الشيء في غير موضعه بما فيه الكفاية فأغنى ذلك عن إعادته وكذلك ربنا جل ذكره لا تضره معصية عاص ولا يتحيف خزائنه ظلم ظالم ولا تنفعه طاعة مطيع ولا يزيد في ملكه عدل عادل بل نفسه يظلم الظالم وحظها يبخس العاصي وإياها ينفع المطيع وحظها يصيب العادل

الثامنة:

أن كتابا هذا موضوعه يعنون بمشكل، مشكل،

التاسعة:

تأمل قول الله تعالى:

ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملائه فظلموا بها

كيف قال وظلموا بها ولم يقل وظلموها ولم يعد الفعل إلى الآيات بل بالباء ليضمن معنى الكفر والجحود،

قال ابن كثير رحمه الله تعالى:

فظلموا بها أي جحدوا وكفروا بها ظلما منهم وعنادا كقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم

وكذا روي عن ابن عباس، ولم يذكر ابن الجوزي غيرهما في زاده، أي كفروا أو جحدوا، وبمثله قال البغوي والشوكاني والنسفي وغيرهم من أئمة التفسير

وبمثله قالوا عند قوله تعالى، فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (الأعراف)

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015