وأرجو أن لا أكون بهذا الملتقى الذي تكلفته، كالباحث عن حتفه بظلفه، أو الجادع مارن أنفه بكفه.

وإنني لأؤمل يا أبا محمد في عونك لنا في هذا الملتقى بعلمك الغزير، فأنت من أهل البحث والتحرير، قد صحبت ابن جرير في تفسيره، وباحثت ابن عاشور في تحريره وتنويره، فحق فيك، قول محبيك:

حتَّامَ تسعى يا ابن بلقاسم = وأنت في التفسير كالقاسمي

بالغت في التحرير حتى غدا= في كفك التفسيرُ كالخاتمِ

وجُلتَ في الفقه وفي غيره = بمنهجٍ مستوسقٍ صارمِ

وقد خدمت العلم فاهنأ به! =قد انجلى المخدومُ للخادمِ

وما كان لمثلي أن يتصدى للإجابة على سؤالك، إلا انتظاراً للتقويم منك ومن أمثالك، فرحم الله أخاً رأى خللاً فسده، وبصر بعيبٍ فأوقفه عند حده، وإنني لأومل في ملتقى أهل التفسير، الخير الكثير، والنفع الكبير، ولا سيما أنه لا يزال في بدايته، وقد شمله كل محب بعنايته، حتى قال أحد الأحباب: إنني قد جعلته صفحة البدء في متصفحي، ولا أمل من النظر فيه في ممساي ومصبحي، فرفع من المعنويات، ودفع بالعزائم إلى النهايات.

وأما سؤالك يا أخي الكريم عن كتاب (آيات مظلومة بين جهل المسلمين وحقد المستشرقين) لمؤلفه الدكتور عمر بن عبدالعزيز قريشي، والذي قدم له الشيخ الكريم الدكتور عائض بن عبدالله القرني حفظه الله ووفقه، والذي ذكرت أنه ربما جانبه الصواب، في عنوان الكتاب، حيث إن القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، والله تعالى يقول: (وما ظلمونا) فكيف يقع الظلم على الآيات؟

فسأذكر لك رأيي، وليس جواباً للسؤال، فما لمثلي أن يجيب على سؤال مثلك. والذي يبدو لي أن المؤلف وضح مقصده فقال أنه (قد قصد بكونها مظلومة، أنها ظلمت – من قبل المسلمين أو غير المسلمين، من المستشرقين والمستغربين – فغير معناها، ووضعت في غير موضعها، أو فسرت على غير وجهها ... فهي آيات مظلومة ومقلوبة، مع أن القرآن كله حق، ولكن كم من حق أريد به باطل، فهذا الذي نعنيه بالآيات المظلومة، (الآيات حق) لكن أريد بها باطل) ممن فسرها على ذلك الوجه.

وقد مثل لذلك بقوله: (فهذا قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) يفهم بمعنى تحريم الجهاد والاستشهاد. وهذا قوله سبحانه: (لا إكراه في الدين) يراد به الخروج عن الدين، وترك طاعة رب العالمين).

وأما المعنى الذي استشكلته في التسمية، فهذا يدل على بعد غورك، ودقة منزعك، في اقتناص المسائل، والحرص على الحجج والدلائل، غير أنني أظن أن الأمر فيه سعة، وأنه عنى بالظلم معناه اللغوي، وهو وضع الشيء في غير موضعه، من حيث فهم المفسرين لها، لا من حيث قائلها سبحانه وتعالى. فالظلم هنا في فهم معنى الآية، ولا أظنه خطر على خاطر المؤلف هذا المعنى الذي وقعت عليه.

ولعل هذا على حد قول العلماء: الآيات المشكلة، والآيات المبهمة، ونحو ذلك، وكل هذا من جهة فهم المفسِّر لها، لا من جهتها هي، فهي ليست مشكلة في ذاتها، ولكنها مشكلة بحسب فهم الناظر فيها، وأنت أدرى بباب التعارض والترجيح بين الأدلة، وتفاصيل كلام العلماء فيه.

وأما قوله تعالى: (وما ظلمونا) فأنت تعلم أن العلماء قد قسموا الظلم إلى أنواع ثلاثة:

الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله، وأعظمه الشرك والكفر والنفاق، ولذلك قال تعالى: (إن الشرك لظلم عظيم).

الثاني: ظلم بينه وبين غيره من الناس، ومنه قوله تعالى: (إنما السبيل على الذين يظلمون الناس). وبقوله: (ومن قتل مظلوماً).

الثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: (فمنهم ظالم لنفسه)، وقوله: (ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه).

وعندما تتأمل في هذه الأنواع الثلاثة تجدها في حقيقتها ظلم للنفس؛ فإن الإنسان أول ما يهم بالظلم فقد ظلم نفسه، فالظالم أبداً مبتدئ في الظلم بنفسه، ولذلك قال تعالى في غير موضع من القرآن: (وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) وقال: (وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون). أي ما ضرنا ظلمهم لأنفسهم شيئاً، بل هم الخاسرون بظلمهم لأنفسهم.

وإلى هنا يجب أن أقف، وأدع المجال لك للتعقيب، أو للإخوان للإفادة بما عندهم من العلم حول هذا الأمر. وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.

ـ[عبدالله بن بلقاسم]ــــــــ[30 صلى الله عليه وسلمpr 2003, 09:17 م]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015