) ألا ترى أنه حين يفعل ذلك يفعله، لأن النسخة التي اعتمد عليها اختصت بميزات لم تتوفر في غيرها، كأن تكون مقروءة على مؤلفها أو يكون عليها سماع أو خط بعض أئمة القراءات ... وأيضا ألا يمكن أن يكون ذلك من باب قوله في الطيبة:

وهذه الرواة عنهم طرق=أصحها في نشرنا يحقق

السلام عليكم

جزاكم الله خيرا شيخنا الكريم وبارك فيكم ونفع بكم. أنتم أهل العلم والأدب

ميزة نسخة ابن الجزري عن غيرها غير مسلم به.

فقضية "لا " التي للتبرئة لخلاد قال الأزميري ـ كما في الروض ص181 ـ رأيت نسخا كثيرة من المستنير ولم يتعرض لذلك بالتوسط في هذا إلا نسخة واحدة "ا. هـ ثم اعتمد قول ابن الجزري هذا لأنه وجد في نسخة يوافق ما عليه ابن الجزري.

ولكن أحيانا لا توافق نسخة موجودة ما عليه ابن الجزري وأذكر كلمة للدكتور السالم الجكني حفظه الله أن نسخة جامع البيان التي كانت مع ابن الجزري كانت ناقصة "فليحرر لنا شيخنا الجكني هذا القول ".

فليس شرطا أن تكون نسخته كاملة، وكذلك نقل إجماعا عن مكي والمهدوي أنهما ليس لهما النقل في نحو "الأرض " بينما الموجود في شرح الهداية للمهدوي غير ذلك وأثبت التحقيق مع عدم السكت وكذا ليس موجودا عند مكي والثابت عنه أنه أجاز أيضا التحقيق من غير سكت. فكل هذا يجعل الشخص يتريث في الحكم علي مسألة النسخ التي بحوزة ابن الجزري رح1.

وأما حين يعدل المقريءفي هذا الزمن عن وجه تلقاه عن شيوخه وقرأ به حينا من الدهر إلى وجه في المبهج أو الارشاد أو الكفاية أوغيرها من أصول النشر، فهل يمكن أن يكون عمله شبيها بعمل الكسائي أوابن مجاهدأو غيرهم من الأئمة حين يعدلون عن بعض الأوجه إلى أوجه اتصلت لهم القراء بها بأسانيد عالية، حين كان النبع قريبا والمشرب صافيا لم يشبه شيء من أنواع التحمل الشبيه بالوجادة.

مافعله الكسائي وابن مجاهد لم يختلفا عما ذكرت.

جاء في جامع البيان ص154: " مالك يوم الدين " .... كان الكسائي زمانا يقرؤها بالألف وكذلك قرأناها عليه، ثم بلغني عنه أنه قال بعد ذلك لا أبالي كيف قرأتها "ملك" أو "مالك")) ا. هـ

نعم المشهور الآن عن الكسائي بالألف،ورجوعه مستساغ لأنه قرأ علي حمزة الزيات أيضا وحمزة بغير ألف. إلا أنه لم يشتهر ولذا تركه ابن مجاهد.

وكذا جاء في نفس الكتاب ص176: ولتأت طائفة "قرأها ابن مجاهد سنة ثلاثمائة بالإدغام وكذا سائر المنقوص ثم رجع إلي الإظهار في آخر عمره) انتهي بمعناه

ما المانع أن يكون القارئ يقرأ من افرشاد مثلا معتمدا علي نقل إمام ثم وجد بخلافه عند طباعة الكتاب فرجع عن ذلك؟

ثم إن بعض تلك الأوجه التي قد يختارها المقريء في زماننا بناء على وجودها بعض أصول النشر قد تكون مما انقطع سنده، وإن كانت في عهد ابن الجزري متصلة الاسناد مقروءا بها،،،،،،

شيخنا القضية ليست قضية انقطاع السند، فلو انقطع السند عن طريق قارئ مثلا فهي ثابتة عن طريق قارئ آخر؟.

مثال: مثلا قرأت القصر لابن كثير، ثم وجدت القصر في كتاب لحفص وقد صح عنه يجوز لي أن اقرأ بالقصر لحفص لأني قرأت بالقصر أداءا بصرف النظر عن كونه لحفص أو لغيره.

إذن القراءة بوجه لم ينقطع سنده إنما انقطع سنده من طريق قارئ بعينه.

ومثال آخر الغنة في اللام والراء مثلا ثابتة عن غير صحبة فلو فرضنا صحة الوجه عن شعبة مثلا لنا القراءة بالغنة لشعبة، لأن وجه الغنة غير منقطع السند أداءا ولكنه منقطع عن طريق القارئ فقط.

وهذا هو الذي دفع بعض المحررين لزيادة وجهٍ ما لقارئٍ ما لم يثبته ابن الجزري لهذا القارئ.

وهذا يسمي إحياء الوجه، وليس اختراعا لوجهٍ ما.

وهو قريب من قول ابن الجزري: (ومن زعم أن هذا العلم قد مات قيل له حيي بالنشر.) ا. هـ

وأخيرا فإن المغزى الذي أرمي إليه يتلخص في السؤال التالي: هل وضع الأئمة المحررون معيارا للتحريرات على غرار المعيار المشار إليه بقوله في الطيبة:

وكل ما وافق وجه نحو=وكان للرسم احتمالا يحوي

وصح إسناد الخ ...

أولا: هذا البيت ليس معيارا للتحريرات، ولكنه معيار لقبول القراءة، والمحررون يبحثون في أمر آخر غير ما مضي.

والتحريرات: عزوكل قراءة لصاحبها وهذا من فعل ابن الجزري أيضا: ((وجمعتها في كتاب يرجع إليه، وسفر يعتمد عليه، لم أدع من هؤلاء الثقات الأثبات حرفاً إلا ذكرته، ولا خلفاً إلا أثبته، ولا إشكالاً إلا بينته وأوضحته، ولا بعيداً إلا قربته، ولا مفرقاً إلا جمعته ورتبته، منبهاً على ما صح عنهم وما شذ ما انفرد به منفرد وفذ. ملتزماً للتحرير والتصحيح والتضعيف والترجيح معتبراً للمتابعات والشواهد. رافعاً إبهام التركيب بالعزو المحقق إلى كل واحد جمع طرق بين الشرق والغرب، فروى الوارد والصادر بالغرب، وانفرد بالإتقان والتحرير، واشتمل جزء منه على كل ما في الشاطبية والتيسير،.) ا. هـ

وأيضا قول ابن الجزري إنه لم يستوعب الصحيح كله ولئن أعانه الله ليجمعن بقية القراءات الصحيحة.

والتحريرات أيضا تقييد مطلق، وإطلاق مقيد، وتوضيح مبهم،والأساس قضية العزو والكل يعزو بما صح عنده.

فإن أجاز قارئ وجها ومنعه آخر فكل بحسب ما بلغه من العلم وهذا ورد أيضا في النشر حيث قال:

((والعجب أن ابن الباذش نسب تحقيق هذا القسم (مثل فأتوا وأمر) لأبي الحسن بن غلبون وأبيه وابن سهل. والذي رأيته نصاً في التذكرة هو الإبدال بغير خلاف والله أعلم.) ا. هـ

ابن الباذش نسب لصاحب التذكرة التحقيق في "فأتوا " بينما ابن الجزري حكم بما رآه وهو الإبدال.

والشاهد أن الخلاف اليسير لا ينسف التحريرات جملة ويمكن تنقيح بعض المسائل في قضية العزو.

والخلاصة: ان الذين يمنعون التحريرات بحجة لم تكن في السلف نخبرهم أن من تنقلون عنهم من أمثال الداني وابن الجزري وغيرهما كانوا يعزون القراءة لأصحابها، والداني تجده يسند الوجه تارة للفارس وتارة للحسن متحريا الدقة في العزو، وقد سبق كلام ابن الجزري في قضية العزو. والله أعلم

والسلام عليكم

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015