وأخرج أحمد وأبو داود والترمذى والنسائى عن عبد الله بن عمرو قال قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم (يقال – أى عند دخول الجنة وتوجة العاملين إلى مراتبهم حسب مكاسبهم – لصاحب القرآن – أى من يلازمه بالتلاوة والعمل لا من يقرؤة وهو يلعنه- إقرأ وارق – أى إلى درجات أو مراتب القرب – ورتل – أى لاتستعمل فى قراءتك فى الجنة التى هى لمجرد التلذذ والشهود الأكبر كعبادة الملائكة – كما كنت ترتل – أى قراءتك وفيه إشارة إلى أن الجزاء على وفق الأعمال كمية وكيفية – فى الدنيا – من تجويد الحروف ومعرفة الوقوف الناشىء عن علوم القرآن ومعارف الفرقان – فان منزلتك عند آخر آية تقرؤها) كذا ذكره على القارى فى شرح المشكاة.

والحاصل أن تحرير رسوم الحروف والكلمات ومخارج الحروف والصفات وترتيب السور والآيات والقراءات المتواترات توقيفى لأن جبريل عليه السلام أخبروعلم النبى عليه الصلاة والسلام كل هذه الأحكام فى العرضة الأخيرة لتبقى العرضة على الشيوخ فى الأمة اتباعا له عليه الصلاة والسلام وليأخذوا القرآن بكمال الأخذ عن أفواة المشايخ المتصلة إلى الحضرة النبوية وليصل إليهم الفيض الإلهى والأسرار القرآنية والبركات الفرقانية فإنها لاتحصل إلا بتعلمهم القرآن من أفواة المشايخ المسلسلة وليكون كمال الثواب بعرضهم القرآن على المشايخ فإن الله تعالى لايكتب الثواب لقارىء القرآن بغير التعلم بل يعذبه.

فإن الإنسان يعجز عن أداء الحروف بمجرد معرفة مخارجها وصفاتها من المؤلفات مالم يسمعه من فم الشيخ فكيف لا نتعلم القرآن مع كثرة جهلنا وعدم فصاحتنا وبلاغتنا من المشايخ الماهرين فى علم التجويد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال فصاحته ونهاية بلاغته تعلم القرآن عن جبريل عليه السلام فى جمع من السنين خصوصا فى السنة الأخيرة التى توفى فيها ومع أفضليته على جبريل عليه السلام والعجب من بعض علماء زماننا فإنة إذا وجد أهل الأداء فى أعلى المراتب تعلم منه وفى أدنى المراتب لا يتعلم منة إستكبارا عن الرجوع إليه كما قال صاحب تهذيب القرآن قد رأينا بعض من لايقدرعلى قراءة القرآن قدر ما تجوز به الصلاة وهو قد يتصدى التقوى وقد هدم التقوى من أساسها ويتورع عن الشبهات ويفسد الصلاة كل يوم خمس مرات ويتخذ وردا من القرآن يريد أن يعبد الله تعالى بالسيئات ثم إنه يستحى من الناس أن يقعد بالعمامة الكبرى ورداء العلماء بين يدى معلم من أهل الأداء فإن ذلك من وظائف المبتدئين وهو قد صار من المدرسين الفضلاء وقال بعضهم إن أكثر علماء زماننا يشتغلون بعلوم غير نافعة ويتركون الأهم والألزم لهم كالذين يهتمون بالأشتغال بالعلوم الآلية مدة حياتهم بل يفنون أعمارهم فيها ثم يفتخرون ويتكبرون بسببها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا فما ظنك فى حق العلم الذى تكون ثمرته ونتيجته عجبا وكبرا فنسأل الله تعالى لى ولكم أن يجعلنان الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

وأخرج البخارى عن أنس بن مالك رضى الله عنة قال قال النبى صلى الله عليه وسلم لأبى إن الله يأمرنى أن أقرأ عليك القرآن (أى أعلمك القراءة) قال أ ُبَى آ الله سمانى لك قال الله سماك فجعل أ ُبَى يبكى ويقال أن الله تعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم ليعلم أبيا أحكام التجويد من المخارج والصفات وأحكام القراءآت المتوترات كما أخذه نبى الله عن جبريل عليهما الصلاة والسلام ثم بذل جهده وسعى سعيا بليغا فى حفظ القرآن وما ينبغى له حتى بلغ من الإمامة فى هذا الشأن الغاية العظمى قال عليه الصلاة والسلام (أقرؤكم أبَُى) ثم أخذه على هذا النمط الآخر عن الأول والخلف عن السلف وقد أخذ عن أبى بشر كثيرون من الصحابة والتابعين فمن الصحابة أبو هريرة وابن عباس وعبد الله بن السائب ومن التابعين عبد الله ابن عياش بن أبى ربيعة وعبد الله بن حبيب أبو عبد الرحمن السلمى وأبو العالية الرياحى وكثيرون غيرهم ثم أخذ عنهم من بعدهم هكذا فسرى فيه سر تلك القراءة عليه حتى سرى سره فى الأمة إلى الساعة ولذا قيل:-

من يأخذ العلم عن شيخ مشافهة

يكن عن الزيغ والتصحيف فى حرم

ومن يكن آخذا للعلم من صحف

فعلمة عند أهل العلم كالعدم

وقد انتهى إلى الإمام أبَُى رضى الله عنه أسانيد تسعة من الأئمة العشرة المتواترة قراءتهم إلى اليوم وهم نافع وأبو جعفر المدنيان وبن كثير الملكى وأبو عمرو ويعقوب البصريان وعاصم وحمزة والكسائى وخلف الكوفيون وكذلك سند الامام محمد بن محيصن الملكى والامام اليزيدى فى اختياره وهما من الأربعة الذين بعد العشرة اهـ

وقال بعض المشايخ من اتخذ وردا من القرآن أو الأسماء فعليه أولا أن يصحح

مخارج الحروف والصفات فإنة لايجد تأثيرا من قراءتة ولا يصل إلى مطلوبه مالم يصحح المخارج والصفات لأن الخصائص الأسرار لاتحصل إلا بصحة المعانى والمعانى لاتحصل إلا بصحة الحروف والحروف لا تحصل إلا بصحة المخارج والصفات وكلما تغيرت الصفة اللازمة للحروف تغيرت اللغة وكلما تغيرت اللغة تغيرت المعانى والأسرار اهـ

وقال ابن حجر إعلم أن كل ما أجمع القراء على إعتباره من مخرج ومد وإدغام وإخفاء وإظهار وغيرها وجب تعلمه وحرم مخالفته كذا ذكره على القارىء اهـ وحكى عن ظهير الدين المرغينانى ان من قال لقارىء زماننا عند قراءتة أحسنت يكفر ووجه جعل التحسين كفرا أن هذا الزمان قلما تخلوا قراءتهم فى المجالس والمحافل عن التغنى للناس وهو حرام قطعا بالإجماع وبذلك سماه صاحب الذخيرة وكذا الهداية حيث قال فيها ولاتقبل شهادة من يغنى للناس لأنه يجمعهم على إرتكاب كبيرة اهـ.

وينبغى أن يقيد قوله بكفر من قال أحسنت بما إذا أخرج القارىء القرآن عن حده والقارىء المعتمد ذلك أولوى والحاصل أن القرآن وأسماء الله تعالى والأذان توقيفية لاتقبل الزيادة ولا النقصان ولا التغير وإنه يجب على السامع النكير وعلى التالى التعزير.

انتهى ببعض تصرف وإختصار من مصباح زادة وخزينة الأسرار0 وفى هذا القدر كفاية0

والله ولى الهداية , نسألة حسن الختام، بجاه نبيه عليه الصلاة والسلام

22شعبان سنة1349هـ

11يناير سنة 1931م

ملاحظة: قمت بنقل هذا الموضوع لتعم الفائدة

أخوكم في الله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015