وليس هذا أولُّ خُرقٍ في سفينةِ فرعون، فقد كان في بيتهِ مؤمنون، ومع ضعفِ النساءِ فقد تحدت آسية امرأةُ فرعون زوجها، وشمخت بإيمانها، ولم تفتنها الدنيا ومباهجها.
وضرب اللهُ بها مثلاً للمؤمنين وقالت: ((رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)) [التحريم:11].
ووُجد في آلِ فرعون مؤمنون ناصحون، رُغم العنت والأذى: ((وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ)) [غافر:28].
بل وُجد سوى هؤلاءِ ذريةً من آلِ فرعون آمنوا بموسى رُغم الخوف، وخشيةَ الفتنة في الدين: ((فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَأِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ)) [يونس:83].
قال العوفي عن ابن عباس- رضي الله عنهما – في تأويل هذه الأية (فإنَّ الذريةَ التى آمنت لموسى من ناسٍ غيرُ بني إسرائيل، من قومِ فرعون يسير، منهم امرأةُ فرعون، ومؤمنُ آل فرعون، وخازنُ فرعون، وامرأةٌ خازنه.
وقال ابن كثير: قليلٌ من قومِ إسرائيل، لا من قوم فرعون.
وقال ابن كثير: وفى هذا نظر، لأنَّهُ أرادَ بالذُريةِ الأحداثَ والشباب، وإنَّهم من بني إسرائيل، والمعروفُ أنَّ بني إسرائيل كلهم آمنوا بموسى- عليه السلام- واستبشروا به، وكانوا يعرفون نعته وصفته والبشارةُ به من كتبهم المتقدمة. [1] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn1)[1][5]..
وكذلك يبددُ نورَ الإيمانِ دياجيرُ الظلامِ في أجواءٍ تَخنقُ فيها العبوديةَ للهِ رب العالمين، ويُكرهُ الناسَ على العبوديةِ من دون الله.
الدرسُ الثاني: من قصةِ موسى- عليه السلام- مع فرعون: فقد عاشَ المسلمون في أيامِ فرعون ظروفا عصيبةٍ ملؤها الخوفُ والأذى، ووصلَ بهم الأمرُ أن يُسرُّوا بصلاتهم، ويتخذوا المساجدَ في بيوتهم قال الله تعالى: ((وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ)) (يونس:87).
و المعنى: كما قال العوفي: عن ابن عباسٍ في تفسيرِ الآية: قالت بنو إسرائيل لموسى- عليه السلام-: لا نستطيعُ أن نُظهرَ صلاتنا مع الفراعنة، وأذنَ اللهُ لهم أن يصلوا في بيوتهم.
وقال مجاهد: لما خافَ بنو إسرائيل من فرعونَ أن يُقتلوا في الكنائس الجامعة، أُمروا أن يجعلوا بُيُوتهم مساجدَ مستقبلةً الكعبة، يُصلون فيها سراً، وكذا قال قتادة والضحاك.
الدرس الثالث: وفى ظلِّ هذه الظروف العصيبة، أُمر المسلمونَ بالصبرِ عليها، والاستعانةُ بالله على تجاوزها بالوسائل التالية:
أ) الصبرُ والصلاة،قال الله تعالى لهم: ((وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ)) ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا)) [الأعراف:128]. وقال لهم ولغيرهم: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)) [البقرة:153].
فالصلاةُ سمةُ المسلمِ حين الرخاءِ وحين الشدةِ والضراء.
ب) والإيمانُ بالله والتوكلُ عليه، ضروري للمسلمِ في كلِّ حال، وهما في حالِ الشدةِ عدة ((وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ)) [يونس:84].
ج) وكذلك الدعاءُ وصدق اللجوءِ إلى الله، يصنعُ أملاً من الضيقِ، وفيه فرجٌ من الكروبِ، وخلاصٌ من فتنةِ الظالمين، ونجاةٌ من الكافرين.
((فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)) [يونس:85 - 86].
¥