((وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ)) [يونس:88].
ومع ذلك فلا بُدَّ من الاستقامةِ على الخيرِ، وعدمِ الاستعجال في حصولِ المطلوب، فذلك أمرٌ يُقدرهُ الله أنَّى شاءَ وكيف شاءَ ((قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)) [يونس:98].
قال ابن جريج: يقالُ: إنَّ فرعونَ مكثَ بعد هذهَ الدعوةِ أربعين سنة، وقال محمدُ بن علي بن الحسين: مكث أربعين يوماً.
الدرسُ الرابع: فتكشفهُ قصةٌ حوار يين موسى- عليه السلام- والمؤمنين معه، وفرعونُ وملئه، فهو الخداعُ الذي يُمارسه المجرمون على رُعاع الناس وجُهالهم، وتأملوا في مقالةِ فرعون للسحرة – حين آمنوا – كما قال تعالى: ((قَالَ فِرْعَوْنُ آمَنْتُمْ بِهِ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ فِي الْمَدِينَةِ لِتُخْرِجُوا مِنْهَا أَهْلَهَا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ)) [الأعراف:123].
وقال في الآية الأخرى: ((إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ)) [طه: 71].
قال ابن كثيرٍ- رحمه الله-: وفرعونَ يعلمُ وكلُّ من لهُ لبٌّ أنَّ هذا الذي قالهُ من أبطلِ الباطلِ، فإنَّ موسى- عليه السلام- بمجردِ مجيئهِ من مدين دعا فرعونَ إلى الله، وأظهرَ له من المعجزاتِ ما جعلهُ يبعثُ في مملكته لجمعِ السحرةِ، لإبطال سحرِ موسى كما زعم،وموسى- عليه السلام- لا يعرفُ أحداً منهم، ولا رآه، ولا اجتمع به، إلى أن يقول ابنُ كثير: (وفرعون يعلمُ ذلك وإنَّما قالهُ تستراً وتدليساً على رُعاعِ دولته وجهلتهم، كما قال تعالى: ((فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف: 54] فإنَّ قوماً صدقوا في قوله: ((أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى)) [النازعات: 24] من أجهلِ خلقِ الله وأضلهم.انتهى كلامهُ رحمهُ الله [2] ( http://tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=2#_ftn2)[2][3].
الدرسُ الخامس: ومع الخداعِ والتدليسِ على الدهماءِ، تُقلبُ الحقائق، واتهامُ الأبرياء، فلم يكتفِ فرعون وقومهُ بالقولِ عن المؤمنين الصادقين: ((إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ)) [الشعراء:54].
بل اتهم الملأ وجلساءُ السوءِ موسى والمؤمنين بالإفساد في الأرض: ((وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبناءهم ونستحيي نساءهم وإنا فوقهم قاهرون)) [الأعراف:127].
فليس كلُّ من ادعى النزاهةَ والعدالةَ محقاً صادقاُ، وليس كلُّ من رُمي بالتطرف أو اتُهم بالفساد مبطلاً كاذباُ، وليس تغيرُ الألفاظ والاتهاماتُ الباطلة من واقعِ الأمر شيئاً، لكنَّها السننُ في الابتلاءِ تمضي في الأولين والآخرين،
ومن حقِّ ابن كثيرٍ أن يعجبَ لهذهِ المقولةِ الكاذبة، ويقولُ: (يا لله، للعجب صار هؤلاءِ يُشفقون من إفسادِ موسى وقومه، ألا إنَّ فرعون وقومه هم المفسدون، ولكن لا يشعرون).
الدرس السادس: أنَّ الصراعَ مهما امتد أجلهوالفتنةُ مهما استحكمت حلقاتها، فإنَّ العاقبةَ للمتقين، لكنَّ ذلك يحتاجُ إلى صبرٍ ومصابرةٍ واستعانةٍ بالله صادقة: ((قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)) [الأعراف:128].
أجل فلا ينبغى أن يُخالج قلوبَ المؤمنين أدنى شكٌ بوعد الله، ولا ينبغي أن يساورهم القلقُ وهم يصبرون على الضراء، ولا ينبغي أن يخدعهم أو يغُرهم تقلبُ الذين كفروا في البلاد، فيظنوه إلى الأبد، وما هو إلا متاعٌ قليل، ثُمَّ يكونُ الفرجُ والنصرُ المبين للمؤمنين.