واختصر الذهبي عبارته في سير اعلام النبلاء، فقال:
(اما السلف فما خاضوا في التأويل، بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى اللّه ورسوله) ((447)).
وهذا هو رأي ابن حجر العسقلاني في شرح صحيح البخاري، والترمذي وآخرين ((449)). ((448)) وكتب القرطبي في معرض تفسيره مفهوم الوزن من سورة الأعراف آية (8) نقلا عن القشيري: (وقد أجمعت الأمة في الصدر الأول على الأخذ بهذه الظواهر من غير تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وجب الأخذ بالظاهر، وصارت هذه الظواهر نصوصا) ((450)). http://www.iraqcenter.net/vb/38532-page2.html))
لكن، هذه دعوى لا توافقها الشواهد التاريخية، منها ما أورده القرطبي نفسه في شرح معنى الوزن، حيث قال بان مجاهدا والضحاك من التابعين كانا قد أخذا في ذلك بمعنى (العدل والقضاء)، (الجامع لأحكام القرآن سورة الأعراف الآية 8)
وقال الطبري في تفسير آية (يكشف عن ساق): (قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد). كذلك نقل ابن الجوزي عن ابن عباس الصحابي، ومجاهد وإبراهيم النخعي وقتادة من التابعين وجمهور العلماء في معنى الآية ذاتها فقال: (أي يكشف عن شدة)
وهذا الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله لما ترجم لابن خزيمة في «سير أعلام النبلاء» ذكر كلامه في أن من لم يُقر بأن الله على عرشه فوق سبع سمواته فهو كافر حلال الدم وكان ماله فيئاً .. علق الذهبي على هذا الغلو بقول: «وكتابه ـ أي ابن خزيمة ـ في التوحيد مجلد كبير، وقد تأول في ذلك حديث الصورة فليعذر من تأول بعض الصفات. وأما السلف فما خاضوا في التأويل بل آمنوا وكفوا وفوضوا علم ذلك إلى الله ورسوله، ولو أن كل من أخطأ في اجتهاده مع صحة إيمانه وتوخيه لإتباع الحق أهدرناه وبدّعناه لقلّ من يسلم معنا من الأئمة رحم الله الجميع بمنّه وكرمه». (سير أعلام النبلاء 9 ـ 237.)
2 - منهج الاتجاه الاعتزالي:
نجد تفسير الزمخشري (الكشاف) يحكمه الاتجاه الاعتزالي الذي يسعى جاهداً في تسخير اللغة والمأثور والبيان لتعزيز مذهبه وإثبات مصداقيته.
ويؤكد هذا المذهب أبو حيان أثناء مقارنته بين تفسيري ابن عطية والزمخشري، وأن هذا الأخير سخّر علمه ومعارفه لنصرة نزعته الاعتزالية، يقول أبو حيان: نقلاً عن ابن بشكوال: "إلا أن الزمخشري قائلٌ بالطفرة، ورمى نحو غرضه سهاماً، هذا مع ما في كتابه من نصرة مذهبه، وتقحُّم مرتكبه، وتجشم حمل كتاب الله عز وجل عليه، ونسبة ذلك إليه" [البحر المحيط]
بينما يقول ابن تيمية: " "وأما الزمخشري، فتفسيره محشوٌّ بالبدعة وعلى طريقة المعتزلة من إنكار الصفات والرؤية والقول بخلق القرآن .. وغير ذلك من أصول المعتزلة، …" [مقدمة في أصول التفسير].
3 - الاتجاه الأثري:
مميزات هذا التوجه: قد استعان الناس -من وقت نزول القرآن- باللغة العربية لفهم عبارته، إلا أن عباس قوى هذا الاتجاه، وقد كان الدافع لهذا حاجة الناس للتفسير في عصر بني عباس الذي كثر فيه المسلمون الجدد، وأيضا لضعف اللغة العربية وبعد مستواها عن لغة القرآن، ويعتبر هذا- بلا شك- إضافة جديدة إلى التفسير على مقتضى المأثورات، وبقد كان هذا الاتجاه في التفسير الأثري النظري، الذي يعتمد على الرواية الأثري الذي يعتمد على الرواية، إلى التفسير الأثري النظري، الذي يعتمد على الرواية والدراية معا، وهذا الاتجاه مهد لظهور المنهج الجامع في التفسير بين الرواية والدراية، ولا سيما في القرنين الثاني والثالث الهجريين على يد جماعة من علماء التفسير [التفسير والمفسرون، ج1 ص141.]
وكتاب (معاني القرآن) للفراء هو أحد المحاولات المبكرة التي تمثل هذا الاتجاه وهو من أقدم التفاسير اللغوية التي نقلت إلينا (انظر النحو وكتب التفسير، د. إبراهيم رفيدة ج1 ص186) وهو يمثل لجوانب المذهب الكوفي في النحو، وقد خاض الفراء في كتابه هذا في فنون العربية جميعا وإن غلب عنصر النحو على غيره، محتجا بأن أساس التفسير هو الاعتماد على اللغة، وهي منضبطة في تراكيبها بضابط النحو، كما أبرز فيه كل قدراته العلمية حين انبرى لتوضيح معاني القرآن، ومع أنه ملأ مصنفه هذا بالاصطلاحات والأقيسة والتعليلات اللغوية، إلا أنه يتسم بالسهولة واليسر، الأمر الذي قرب مضامينه للقارئ [مراتب النحويين، لأبي الطيب اللغوي، ص86، تحقيق محمد أبو الفضل
¥