يؤيدهم قول النبي صلى الله عليه وسلم عن القرآن "هو حبل الله المتين والذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم". والذين قالوا إن الصراط المستقيم هو الإسلام يؤيدهم قول النبي صلى الله عليه وسلم "ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران .... فالصراط المستقيم هو الإسلام والسوران حدود الله". فإذا جاء عالم فقال: الصراط المستقيم هو السنة والجماعة أو هو طاعة الله والرسول صلى الله عليه و سلم؛ فإنه هو المعنى نفسه الذي قال به الصحابة

وكثيرا ما يميل الصحابة في توضيح المعنى إلى التمثيل بصفة من صفات الشيء فمثلا في قوله تعالى (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ) فالظالم لنفسه عموما هو المضيع للواجبات والمنتهك للمحرمات، والمقتصد هو فاعل الواجبات وتارك المحرمات، والسابق يدخل فيه من سبق فتقرب بالحسنات مع الواجبات

فيقول الصحابي: السابق الذي يصلى في أول الوقت، والمقتصد الذي يصلي في أثنائه، والظالم لنفسه الذي يؤخر العصر إلى الاصفرار، ويقول الآخر: السابق والمقتصد والظالم قد ذكرهم الله في آخر سورة البقرة، فإنه ذكر المحسن بالصدقة، والظالم بأكل الربا، والعادل بالبيع. والناس في الأموال إما محسن، وإما عادل، وإما ظالم، فالسابق المحسن بأداء المستحبات مع الواجبات. والظالم آكل الربا أو مانع الزكاة. والمقتصد الذي يؤدي الزكاة المفروضة، ولا يأكل الربا، فكل قول من أقوال الصحابة ذكر نوعا داخلا في الآية وقد ذُكر ذلك لتعريف السامع بتناول الآية لهذا النوع وتنبيهه به على نظيره.

أما إذا اختلف الصحابة اختلاف تضاد وكانوا مجموعتين لا فردين وهو قليل نادر فقد تكون إحدى الروايتين أقوى، وفي هذه الحالة ترجح الأقوى؛ فإن كانتا على درجة وتعذر الجمع والتوفيق بينهما لجأنا إلى الترجيح فأخذنا القول الأقرب إلى الكتاب والسنة

ولا شك أن الخروج عن أقوال المختلفين يقتضي تخطئتهم جميعا، والصحابة إذا اختلفت أقوالهم فالناظر لا يعدم في بعض أقوالهم قولا قويا يؤيده سياق الآية وما يجب أن يراعى من ضوابط؛ فلا مبرر لإنشاء قول جديد أصلا

ثامناً: أما إذا انفرد الصحابي بقول فهذا الأمر فيه تفصيل وهو:

أ- من هو الصحابي الذي انفرد بالقول؟

إذا كان الصحابي الذي نقل عنه القول هو ابن مسعود وابن عباس وأُبَىّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعري وعبد الله بن الزبير وأنس بن مالك وأبى هريرة وعبد الله بن عمر وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمرو ابن العاص وعائشة رضي الله عنهم – فإن قولهم حجة إذا ثبت. أما الصحابة الذين كانوا من علماء أهل الكتاب نحو عبد الله بن سلام وتميم الداري فإنهم أسلموا ومن الصعب على الإنسان التخلص مما لديه من المعلومات الدينية القديمة، وهولاء إنما كانت مصادرهم من الإسرائيليات؛ ولهذا ينبغي الحذر والتأكد من أقوالهم هل هي من الإسرائيليات أم لا؟ فإذا ثبت أنها من الإسرائيليات فإنها تعامل معاملة ذلك، وليس هنا موضع الحديث عن ذلك، وقد تشدد عمر بن الخطاب رضي الله عنه على رواة الإسرائليات؛ وهدد كعب الأحبار من الرواية عن بني إسرائيل؛ فقال: (لتتركن الحديث عن الأُوَل أو لألحقنّك بأرض القردة) ومنع تميما الداري أن يقص سنين طويلة، فلما أكثر عليه سأله عمر – خشية من إيراد الإسرائيليات - فقال: ما تقول؟ قال: أقرأ عليهم القرآن وآمرهم بالمعروف وأنهاهم عن المنكر، فقال: عمر ذلك الربح.

وليس معنى ذلك أن ذاك الصنف الأول من الصحابة الذين قلنا أن قولهم حجة إذا ثبت – أنهم لا يخطئون؛ إذ ثبت أن بعضهم أخطأ وصححه الآخرون؛ فعبد الله بن الزبير أخطأ في تفسير بعض الآيات فصححته عائشة رضي الله عنها وابن عباس أخطأ في تفسير بعض الآيات وصححه علي كرم الله وجهه، وكذلك الأمر في الصنف الثاني من الصحابة؛ إذ أخطأ ابن سلام وصححه ابن عباس وأبو هريرة. أما إذا لم يصحح الصحابة المعنى الذي ذهب إليه الصحابي فمعنى ذلك أنهم ارتضوه.

ب- التأكد من كون الرواية عن الصحابي صحيحة؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015