ذهب أبو حسان إلى ضرورة عرض أقوال الصحابة على ميزان النقد العلمي فإذا كان يقصد فحص هذه الروايات وبيان صحيحها من زائفها كما دُرس حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم سندا ومتنا - فهذه أقيم النقاط التي ذهب إليها أبو حسان، ولكن الفرق كبير بين نقد هذه الأقوال للبناء على صحيحها وبين نقدها لرفضها وتجاوزها وإحداث رأي غيرها.

والملاحظ أن الروايات المروية عن ابن عباس مثلا فيها بعض الأمور التي يجب التنبه لها؛ فمن هذه الروايات ما يمكن الاعتماد عليه، ومنها ما يعتريه الضعف في رجاله، أو الانقطاع في إسناده، وقد تجد لابن عباس في الآية الواحدة أقوال مختلفة الأمر الذي يشكك في بعضها ويدلل على أن بعض الوضاعين اختلق روايات نسبها إلى حبر الأمة، والطرق عن ابن عباس كثيرة منها القوي ومنها الضعيف، وأقواها طريق معاوية بن صالح، عن علىّ بن أبى طلحة، عن ابن عباس، وطريق قيس بن مسلم الكوفى، عن عطاء بن السائب عن سعيد ابن جبير، عن ابن عباس، وأوهى هذه الطرق طريق محمد بن السائب الكلبى عن أبى صالح عن ابن عباس وقد قال العلماء عن هذا الطريق (فإن انضم إلى ذلك رواية محمد بن مروان السدي الصغير، فهي سلسلة الكذب)

وقد لاحظ الباحث أن من رجال الروايات الواردة عن الصحابة بعض الروافض؛ وغالبا ما تكون هذه الروايات شديدة الخطورة سواء في التفسير أو علوم القرآن.

كما هنالك روايات كتلك الراويات التي تطعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم وتطعن في حفظ القرآن نحو قصة حبه صلى الله عليه وسلم لزينب بنت جحش وهي في عصمة زيد وقصة الغرانيق وأكل الشاة لسورة الأحزاب ونحو ذلك

فليس كل من يقول قال ابن عباس أو عبد الله بن مسعود ينبغي أن نسلم له

وبعض الروايات لا ينبغي تجاوزها والقول بغيرها فحسب بل ينبغي نبذها والرد عليها بشدة

ولكن من يقوم بهذا الرد والنقد، وملاحظ أن بعض الذين لا علم لهم يستخدمون النقد كيفما شاءوا فيردون به الصحيح ويقبلون به السقيم، ولم يُرَد النقد لمثل ذلك؛ فالنقد المعتبر هو نقد العلماء لا غيرهم

إن السلاح جميع الناس تحمله * وليس كل ذوات المخلب السبع

ج- هل قول الصحابي ينسجم مع سياق الآية وما تدل عليه وهل هنالك حديث معارض لما ذهب إليه؟

التفسير إما أن يعتمد على نقل مصدق وإما أن يعتمد على استدلال محقق، ولهذا فإن في الآية نفسها دليلا على صحة الرواية المنقولة من عدمها، ولا أريد التحدث عن حجية قول الصحابي ونحو ذلك مما هو مبثوث في كتب أصول الفقه، خاصة وأن حديثنا يدور في مضمار التفسير؛ إذ إن معرفة الفقه والأحكام تختلف اختلافا كبيرا عن التفسير، والفقهاء والأصوليون عندما يتحدثون عن قول الصحابي في الفقه والأحكام فإنهم يتحدثون عن مسألة فقهية ليس فيها دليل من كتاب أو سنة؛ ولذلك يلجأون إلى قول الصحابي؛ وذلك خير من الدوران في الفراغ وخير من الاعتماد على عقولهم المجرد؛ إذ أن الأمر أمر علم ودين وليس تنظيرا في فراغ، أما بالنسبة إلى التفسير فالأمر مختلف جدا؛ إذ أن الدليل موجود وهو الآية نفسها وما قول الصحابي إزاء ذلك إلا توضيح وشرح؛ ولهذا يمكن أن تلتمس العلاقة بين الآية وقول الصحابي بسهولة، وقول الصحابي إذا انفرد حجة، وليس المراد بذلك أنه حجة بذاته كالكتاب والسنة فإنهما حجة بذاتهما، وإنما هو حجة لما احتف بقوله من أدلة وقرائن تدل على حجية قوله، فهو حجة بالغير؛ فإذا وافق سياق الآية وما تدل عليه كان حجة بدليل الآية نفسها. ومذهب الصحابي وحده لا يعد حجة إلا إذا غلب على الظن اشتهاره بين الصحابة وعدم إنكاره، ولا يمكن أن يخالف قول الصحابي سياق القرآن ثم لا ينكر الصحابة عليه، وإذا جاءنا قول أحد الصحابة مخالفا للسياق ولدلالة الآية ولم يصلنا الإنكار عليه فإن المشكلة تكون في سند الرواية غالبا، أما إذا خالف قول الصحابي حديث صحيح فإن المشكلة في صحة النقل، فإن لم تكن كذلك فإن الصحابي ربما قال كلامه قبل ورود الحديث الذي يخطيء قوله أو أن الحديث لم يصله؛ وهذا الذي قاله إنما يعد من اجتهاده، و نحن غير ملزمين باجتهاده إذا كان الحديث الصحيح بخلافه

ثامنا: أرى أبو حسان قد مال إلى الإعجاز العلمي حتى يبطل قول ابن عباس

وهذا عجيب!

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015