مِّن ذَلِكَ مَثُوبَةً عِندَ اللّهِ مَن لَّعَنَهُ اللّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ وقال فيهم أيضا " إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا" وقال في النصارى "وَلاَ تَتَّبِعُواْ أَهْوَاء قَوْمٍ قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ " ويبدو واضحا جدا من السياق أن المقصود هم النصارى يقول ابن القيم " فهذا خطاب للنصارى لأنه في سياق خطابه معهم بقوله لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إلى قوله وضلوا عن سواء السبيل"

فالمقصود بالمغضوب عليهم اليهود وبالضالين النصارى، ولكن الآية لم تأمر المسلمين بأن لا يكونوا يهودا أو نصارى - كما فهم أبو حسان – بل أمرتهم بأن يدعوا بالهداية للطريق المستقيم الذي ليس هو طريق اليهود الذين أنعم الله عليهم بالهداية إلى صراط الخير بدعوة الرسل فتقلدوها ثم طرأ عليهم التغيير وبطر النعمة وسوء الامتثال وفساد التأويل وتغليب الشهوات حتى حق عليهم غضب الله تعالى، كما أمرت الآية المسلمين بالتبرؤ من حال النصارى الذين هُدوا إلى صراط مستقيم فما استقاموا فيه فانقلبت هدايتهم ضلالاً. والكلام ليس عن اليهود والنصارى في أنفسهم بل عن طريقتهم، وطريقتهم التي أدت إلى الغضب والضلال هي المقصودة؛ وهذه الطريقة التي عرفوا بها قد يفعلها غيرهم؛ ولهذا أمر الله بالتعوذ منها؛ وليس المراد التعوذ من أن يصير المسلم يهوديا أو نصرانيا؛ يقول ابن عاشور (ولو كان المراد دين اليهودية ودين النصرانية لكان الدعاء تحصيلاً للحاصل فإن الإسلام جاء ناسخاً لهما)

ورغم كل ذلك إلا أنني لم أر مفسرا قال إن المقصود بالمغضوب عليهم غير اليهود ولا بالضالين غير النصارى اللهم إلا أقوال شاذة لا معول عليها وردها العلماء نحو أن "المغضوب عليهم" المشركون. و"الضالين" المنافقون. أو: "المغضوب عليهم" هو من أسقط فرض هذه السورة في الصلاة و"الضالين" عن بركة قراءتها

أما تعدية طريقة اليهود والنصارى إلى غيرهم ممن اتصف بصفاتهم فجائزة ولا تعارض الحديث بحال فقد قيل: "المغضوب عليهم" باتباع البدع و"الضالين" عن سنن الهدى ويعلق القرطبي على ذلك بقوله (وهذا حسن، وتفسير النبي صلى الله عليه وسلم أولى وأعلى وأحسن) ومهما يكن من أمر فهذا التفسير شكل من أشكال توضيح الحديث؛ إذ ذكرنا أن المقصود في الآية طريقة اليهود والنصارى "صراطهم" لا هم في أنفسهم.

خامسا: قال أبو حسان " إجماع الصحابة على قولين إجماع على إبطال ما عداهما"

إجماع على قولين؟!

فكيف يكون إجماعا

سادسا: إذا أجمع الصحابة على قول معين فإنه لا تجوز مخالفتهم إطلاقا وكل تفسير خالف إجماعهم الثابت فهو باطل بلا شك؛ إذ إن إجماعهم حجة؛ وقد أمرنا الله تعالى باتباع سبيل المؤمنين والصحابة أفضل المؤمنين بلا شك؛ فلا يمكن لرجل أن يخالف إجماعهم فيُقبل منه؛ ولكن قد يبيين العالم قول الصحابة ويوضح وجه ارتباطه بالآية؛ لأن أقوال الصحابة قد تكون إشارات موجزة لا يستطيع فهمها كل الناس؛ ولهذا قد يختلف قول العالم عن قول الصحابة إجمالا وتفصيلا وغموضا وتوضيحا؛ فيظن من لا يحسن هذا العلم أن هنالك مخالفة لإجماع الصحابة قد وقعت وليس الأمر كذلك. وقد وقع مثل ذلك بين الصحابة أنفسهم كما سيأتي.

سابعا: أما إذا اختلف الصحابة على قولين وهم لا يختلفون في التفسير كثيرا وإنما اختلافهم أكثر منه في الأحكام وتطبيقها، أما بالنسبة إلى التفسير فقد يكون هذا الاختلاف في اللفظ فحسب أو في العموم والخصوص أو السبب والمسبب ولكن المعنى العام واحد، وهذا الذي يسمى اختلاف تنوع لا اختلاف التضاد؛ والناس في الغالب لا يعبرون عن الفكرة الواحدة بأسلوب متفق؛ بل إن الرجل الواحد قد يعبر عن المعنى الواحد بطرق مختلفة؛ فقد فسر على كرم الله وجهه الصراط المستقيم في قوله تعالى (اهدنا الصراط المستقيم) بأنه اتباع القرآن وفسره جابر رضي الله عنه بأنه الإسلام؛ والإسلام هو اتباع القرآن كما أن القرآن ينبه على ضرورة اتباع السنة؛ والذين قالوا إن الصراط المستقيم هو القرآن

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015