وهذا القول قد سلخه أبو حسان من سياقه، وقد أورده ابن تيمية، وهو عندما ذكر ذلك إنما كان يتحدث عن الإجماع ونقل قول من قال بأنه حجة وقول من قال بأنه ليس بحجة من الروافض والمعتزلة؛ ثم ذكر ترجيح العالم بين أقوال الصحابة والنظر في أيهم أقرب إلى الكتاب والسنة؛ يقول ابن تيمية (قال القاضي: الإجماع حجة مقطوع عليها يجب المصير إليها، وتحرم مخالفته، ولا يجوز أن تجمع الأمة على الخطأ، وقد نص أحمد على هذا في رواية عبد الله وأبي الحارث في الصحابة إذا اختلفوا لم يخرج عن أقاويلهم أرأيت إن أجمعوا له أن يخرج من أقاويلهم؟ هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا) وواضح جدا أن ابن حنبل يقصد أن التحلل من أقوال الصحابة هو طريقة أهل الأهواء والبدع الذين أرادوا حمل القرآن على آرائهم وأهوائهم متحللين من الضوابط؛ أي: أنهم يحملون نصوص القرآن ما لا تحتمل.

ثالثا: أما بالنسبة لقول ابن تيمية (من عَدَل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعًا، وإن كان مجتهدًا مغفورًا له خطؤه) فقد أخرج أبو حسان هذا الكلام أيضا وسلخه عن سياقه، وابن تيمية عندما ذكر ذلك إنما كان يتكلم عن التفاسير المنحرفة كتفسير الرافضة الإمامية والقرامطة والمعتزلة حيث ذهب هولاء الروافض إلى أن (يدا أبي لهب) هما أبو بكر وعمر وأن البقرة في قوله (إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة) هي عائشة، و أئمة الكفر في قوله (فقاتلوا أئمة الكفر) طلحة والزبير، و مرج البحرين في قوله (مرج البحرين يلتقيان) علي وفاطمة، و (اللؤلؤ والمرجان) الحسن والحسين، وهذه سماها ابن تيمية خرافات تتضمن تفسير اللفظ بما لا يدل عليه بحال، وهي خرافات بالفعل؛ ثم ذكر ابن تيمية تأويلات المعتزلة ثم قال (وفي الجملة من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم إلى ما يخالف ذلك كان مخطئا في ذلك، بل مبتدعا، وإن كان مجتهدا مغفورا له خطؤه فالمقصود بيان طرق العلم وأدلته، وطرق الصواب. ونحن نعلم أن القرآن قرأه الصحابة والتابعون وتابعوهم، وأنهم كانوا أعلم بتفسيره ومعانيه، كما أنهم أعلم بالحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن خالف قولهم وفسر القرآن بخلاف تفسيرهم فقد أخطأ في الدليل والمدلول جميعا. ومعلوم أن كل من خالف قولهم له شبهة يذكرها إما عقلية وإما سمعية، والمقصود هنا التنبيه على مثار الاختلاف في التفسير، وأن من أعظم أسبابه البدع الباطلة التي دعت أهلها إلى أن حرفوا الكلم عن مواضعه، وفسروا كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بغير ما أريد به، وتأولوه على غير تأويله، فمن أصول العلم بذلك أن يعلم الإنسان القول الذي خالفوه وأنه الحق، وأن يعرف أن تفسير السلف يخالف تفسيرهم، وأن يعرف أن تفسيرهم محدث مبتدع، ثم أن يعرف بالطرق المفصلة فساد تفسيرهم بما نصبه الله من الأدلة على بيان الحق).

أي أن ابن تيمية ذكر ذلك في مقابلة أهل الأهواء من روافض ومعتزلة وأراد أن يبين المنهج السليم في التفسير

رابعا: ذكر أبو حسان أن الصحابة أجمعت على أن المغضوب عليهم هم اليهود، والضالين هم النصارى في قوله تعالى: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين) ثم قال أبو حسان ومع ذلك ذكر المفسرون بأن الآية ليست خاصة في اليهود والنصارى بل هي عامة في كل من تنطبق عليه هذه الأوصاف كما نبه على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير ثم ذكر أبو حسان أن المعنى عند هولاء المفسرين أن اليهود من المغضوب عليهم ثم فرق أبو حسان بين قول الإنسان " المغضوب عليهم اليهود وقوله "اليهود مغضوب عليهم" ورغم تفنن أبي حسان في العبارات إلا أن كلامه لا معنى له؛ إذ أنه لا اختلاف بين الحديث وقول المفسرين؛ فالمغضوب عليهم هم اليهود والضالين هم النصارى؛ ويتبين ذلك باستقراء بسيط للفظ الغضب في القرآن لتعرف من المقصودين بهذه الصفة؛ قال تعالى عن اليهود: "وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وقال فيهم أيضا "فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ وقال فيهم أيضا "وَبَآؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ وقال فيهم أيضا "قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015