3 – عاصر هولاء الصحابة رضوان الله عليهم نزول القرآن وعلموا فيما أنزل وأين أنزل؛ يقول ابن مسعود رضي الله عنه: (وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ، وَلَا أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ إِلَّا أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ، وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللَّهِ تُبَلِّغُهُ الْإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ) وهذان الأصلان (فيم أُنزلت) (أين أُنزلت) في كلام ابن مسعود رضي الله عنه يشيران بصورة واضحة إلى أمور في غاية الأهمية بالنسبة إلى التفسير وبيان المعنى؛ فهذه الأمور تعين في المعرفة بتاريخ النزول، وهذا الأمر تتعلق به كثير من خصائص الآيات وترتيبات التشريع الواقعية وكما يتعلق به تعيين الأوصاف والأفعال التي نزل فيها القرآن وتبين حدود المعنى الذي فيه نزل وتعرّف بأبعاده، ونحن الآن إذا رحنا نفهم القرآن من نصه فحسب بعيدا عن فهم الصحابة - على ضعفنا في العلم واللغة - خرجنا بمعان غريبة غير مرادة من القرآن أصلا؛ إذ إن الكلام الذي يراد به تأدية المعنى ليس مجرد كلمات أو عبارات؛ بل هنالك عناصر غير كلامية أو تركيبية متعلّقة بهذا المعنى أشدّ ما يكون التعلّق، ولا شك أن ضرب الصفح عن هذه العناصر أو إغفالها ثم محاولة استفادة المعنى من ظواهر اللغة الخالصة والاكتفاء بالمعنى الحرفي لها - قد يؤدي في بعض الأحيان بطبيعة الحال إلى قصور شديد في فهم المعنى الدقيق المراد؛ فالكلام – كما هو معروف - تحيط به ظروف وملابسات وأحوال، وهذه الظروف والملابسات والأحوال ذات أثر فاعل في بيان المعنى، و"شاهد العيان" – بطبيعة الحال في كل الأمور - مقدم في الشهادة على غيره؛ فإذا وقع حدث معين وأردنا شهادة الناس فيه هل نأخذ بشهادة الغائب أم الحاضر؟ فهولاء الصحابة عرفوا في أي مكان نزل القرآن وفي أي أحداث نزل وكيف طبقه النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا فإن تقديم فهومنا على فهومهم لا يمكن أن يقول به منصف قط

4 - إن النص القرآني إذا كان سهل التناول ميسّر للذكر واضح البيان من جهة فهو بعيد الغور شديد العمق من جهة أخرى، ولهذا فإن فهمه على درجات متفاوتة جدا فهنالك درجة لا يعذر أحد فيها بجهالته وهنالك درجة تعرفها العرب من كلامها وهنالك درجة يعلمها العلماء وهنالك درجة لا يعلمها إلا الله؛ والدرجة التي يعرفها العلماء تأتي بعد العلم العميق باللغة؛ وهي درجة في داخلها درجات كثيرة متفاوتة جدا، ولنقرب إلى الأذهان الدرجة التي كان عليها الصحابي عبد الله بن عمر رضي الله عنه مثلا فهو على علمه العميق تعلم معاني سورة البقرة في ثماني سنين، وسورة البقرة أقل من عشر القرآن؛ ولو أراد تعلم القرآن كله على هذه الشاكلة التي تعلم بها سورة البقرة لمكث ما يقارب المائة عام؛ هذا مع حصوله طبعا على كافة الأدوات لفهم القرآن مما لم يتيسر لدينا؛ فإذا أراد أحد المعاصرين أن يبلغ في فهم القرآن هذه الدرجة – بحساب السنين فحسب – فكم سنة سوف يحتاج؟ إنه لأمر مخيف! وإذا كنا لم نتجاوز بداية ساحل القرآن أفلا نعول على علم من جرب أمواجه ولججه

وقد عرف أبو حسان السلفيين بأنهم هم الذين ينتمون لجيل هولاء الصحابة فهما واتباعاً وبدلا من أن يقول نسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم – أخذ يهاجمهم رغم أنهم هم القوم كل القوم يا أبا حسان، فإذا أردتم الإعراض عن فهم الصحابة فأين تذهبون؟!

وقد قدمت أخي أبا حسان طرحك كأنك تنهى عن اتباع السلف أو هكذا يبدو الأمر لي؛ ولهذا فإنك بذلك قد انتحرت فكريا في النقاش من أول وهلة؛ مما سهّل الأمر على الأخ نايف الزهراني الذي لم يكن صعبا عليه هزيمتك بصورة مذهلة؛ فكان الحق معه بشكل واضح لا يخفى، وهذا ما جعل المتداخلين يهاجمونك ويثيرونك ويصفون لك الكتب التي ينبغي لك أن تقرأها، وكلامك هو الذي جر إليك ما لاقيت "يداك أوكتا وفوك نفخ"

هذا وإن كانت حججك فيما بعد كانت أكثر استقامة مما كانت عليه في البداية؛ ولا أدري هل كان هذا بسبب مطرقة الزهراني القوية، أم أنك عبرت بعد ذلك عن أفكارك بصورة أوضح.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015