غيرهم؛ قال الشافعي:

كلما أدبني الدهر أراني نقص عقلي وكلما ازددت علما زادني علما بجهلي

والعربية أغنى اللغات وأوسعها؛ يقول الإمام الشافعي: (لسان العرب أوسع الألسنة مذهباً وأكثرها ألفاظاً ولا نعلم أن يحيط به إنسان إلا نبي)، والقرآن لا يفهم إلا بهذا اللسان؛ فإذا جاء أحد الناس في زماننا بمعنى من القرآن لا يوافق طريقة هولاء الصحابة في كلامهم كان هذا المعنى مردودا؛ يقول الإمام الشاطبي: (كلّ معنى مستنبط من القران غير جار علي اللسان العربي فليس من علوم القران في شي لا مما يستفاد منه ولا مما يستفاد به؛ ومن ادعى فيه ذلك فهو في دعوه مبطل) ولهذا كان الإمام مالك - وهو قريب العهد بالصحابة - يقول: (لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر القرآن إلا جعلته نكالاً) فإذا كان هذا حال الأجيال الأولى بعد الصحابة فما بالك بحالنا الآن؟!؛ ولا أظن أن عاقلا يمكنه أن يتطاول في ذلك على الصحابة؛ فإذا رأينا رجلا قليل المعرفة بالإنجليزية أو الروسية أو الألمانية يجادل الإنجليز أو الروس أو الألمان المختصين في سونتات شكسبير وأعمال تولستوي وجوجل وجوتة فلا شك أن منظره يثير الضحك والسخرية عندنا؛ فما بال رجل يتطاول بلغته القاصرة على الصحابة رضوان الله عليهم.

2 – بيّن النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة القرآن مع علمهم العميق باللغة؛ قال تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) وبذلك كان الصحابة يعلمون معاني القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة فهو صلى الله عليه وسلم كان يوضح لهم التفاصيل؛ حيث يبين لهم المجمل ويوضح المشكل ويخصص أحيانا ويقيد ويشرح معنى بعض الألفاظ أحيانا، كما كان يبين لهم منهج التفكر والتدبر فيرشدهم إلى اقتناص المعنى من السياق تارة ومن مواضع أخرى من القرآن؛ وذلك كما أرشد عائشة رضي الله إلى معنى قوله تعالى (والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة) حيث قالت أهم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ فقال: "لا يا بنت الصديق ثم أرشدها إلى السياق " أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ ". وعندما بكى حسان وابن رواحة رضي الله عنهما عند سماع قوله تعالى: (وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) أرشدهم إلى السياق (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) وعندما التبس على الصحابة مفهوم الظلم في قوله تعالى (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) أرشدهم إلى موضع آخر في القرآن في سورة لقمان وهو قوله تعالى (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ)، ومعاصرة الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم وتفسيره القرآن لهم منهجا وتفاصيل - يجعلهم متقدمين علينا بطبيعة الحال، وربما فسر النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة تفاصيل كل القرآن وهو أمر مختلف فيه بين العلماء، وسواء صح هذا المعنى أم لم يصح فهم كانوا أقرب إلى هذا العلم منا؛ لقربهم من النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أنزل عليه القرآن وأُمر ببيانه؛ ولهذا فإن سؤال أبي حسان في الرد على الزهراني: (ما علاقة فهم الصحابة للقرآن بالبيان، وهل تفسير الصحابة كله مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم حتى تقول ذلك؟!) يبدو عجيبا؛ إذ إن لمن بيّن النبي صلى الله عليه وسلم القرآن حيث أمر ببيانه؟ ألم يكن هذا البيان للصحابة دون غيرهم؟! فتفسير الصحابة مأخوذ من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة أو مفهوم من كلام النبي صلى الله عليه وسلم كل حسب تفكيرهم أو مستخرج بالمنهج الذي وضحه لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فالعلاقة بين تفسير الصحابة وبيان القرآن واضحة جدا؛ ولهذا ينبغي أن يكون السؤال هل كل ما نقل عن الصحابة كان صحيحا في إسناده وهل تصح نسبته إليهم؟.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015