وَمَعْلُومٌ أَنَّ فَضِيلَةَ الْعِلْمِ وَمَعْرِفَةَ الصَّوَابِ أَكْمَلُ الْفَضَائِلِ، وَأَشْرَفُهَا، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ، أَيُّ وَصْمَةٍ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الصِّدِّيقُ أَوْ الْفَارُوقُ أَوْ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ ابْنُ مَسْعُودٍ أَوْ ابن عباس أو عائشة، وَأَضْرَابُهُمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَدْ أَخْبَرَ عَنْ حُكْمِ اللَّهِ أَنَّهُ كَيْتَ وَكَيْتَ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ، وَأَخْطَأَ فِي ذَلِكَ، وَلَمْ يَشْتَمِلْ قَرْنُهُمْ عَلَى نَاطِقٍ بِالصَّوَابِ فِي تِلْكَ الْمَسَائِلِ حَتَّى تَبِعَ مَنْ بَعْدَهُمْ فَعَرَفُوا حُكْمَ اللَّهِ الَّذِي جَهِلَهُ أُولَئِكَ السَّادَةُ، وَأَصَابُوا الْحَقَّ الَّذِي أَخْطَأَهُ أُولَئِكَ الْأَئِمَّةُ؟

7 - حَدِيثِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ قَالَ: وَعَظَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْعِظَةً بَلِيغَةً ذَرَفَتْ مِنْهَا الْعُيُونُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهَا مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَمَاذَا تَعْهَدُ إلَيْنَا؟ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ .. وَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ}، وَهَذَا حَدِيثٌ صحيح، فَقَرَنَ سُنَّةَ خُلَفَائِهِ بِسُنَّتِهِ، وَأَمَرَ بِاتِّبَاعِهَا كَمَا أَمَرَ بِاتِّبَاعِ سُنَّتِهِ، وَبَالَغَ فِي الْأَمْرِ بِهَا حَتَّى أَمَرَ بِأَنْ يُعَضَّ عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وقابل الأخذ بها بالإحداث والابتداع.

وَهَذَا يَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَوْا بِهِ وَسَنُّوهُ لِلْأُمَّةِ، وَإِنْ لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْ نَبِيِّهِمْ فِيهِ شَيْءٌ، وَإِلَّا كَانَ ذَلِكَ من سُنَّتَه هو عليه الصلاة والسلام، كما َيَتَنَاوَلُ مَا أَفْتَى بِهِ جَمِيعُهُمْ أَوْ أَكْثَرُهُمْ أَوْ بَعْضُهُمْ لِأَنَّهُ عَلَّقَ ذَلِكَ بِمَا سَنَّهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ لَمْ يَسُنُّوا ذَلِكَ [وَهُمْ خُلَفَاءُ] فِي آنٍ وَاحِدٍ، فَعُلِمَ أَنَّ مَا سَنَّهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي وَقْتِهِ فَهُوَ مِنْ سُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ اللازمة الاتباع.

8 - روى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ {إنْ يُطِعْ الْقَوْمُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ يَرْشُدُوا}، فَجَعَلَ الرُّشْدَ مُعَلَّقًا بِطَاعَتِهِمَا، فَلَوْ قالوا بِالْخَطَأِ فِي حُكْمٍ أو معنىً، وَأَصَابَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ لَكَانَ الرُّشْدُ فِي خِلَافِهِمَا.

9 - صح عند الترمذي من حديث حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {اقْتَدُوا بِاَللَّذَيْنِ مِنْ بَعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَاهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ، وَتَمَسَّكُوا بِعَهْدِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ} أي: ابن مسعود. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ مثل ما تقدم.

10 - أَنَّ الصَّحَابِيَّ إذَا قَالَ قَوْلًا أَوْ حَكَمَ بِحُكْمٍ أَوْ أَفْتَى بِفُتْيَا فَلَهُ مَدَارِكُ يَنْفَرِدُ بِهَا عَنَّا، وَمَدَارِكُ نُشَارِكُهُ فِيهَا؛ فَأَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِهِ:

فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَفَاهًا أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ آخَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ مَا انْفَرَدُوا بِهِ مِنْ الْعِلْمِ عَنَّا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحَاطَ بِهِ، فَلَمْ يَرْوِ كُلٌّ مِنْهُمْ كُلَّ مَا سَمِعَ، وَأَيْنَ مَا سَمِعَهُ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَالْفَارُوقُ وَغَيْرُهُمَا مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إلَى مَا رَوَوْهُ؟ فَلَمْ يَرْوِ عَنْهُ صِدِّيقُ الْأُمَّةِ مِائَةَ حَدِيثٍ، وَهُوَ لَمْ يَغِبْ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَشَاهِدِهِ، بَلْ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015