وَإِذَا كَانُوا أُوتُوا هَذَا الْعِلْمَ كَانَ اتِّبَاعُهُمْ وَاجِبًا , ولم يكن أحدٌ بعدهم أعلم به منهم.

3 - قَوْله تَعَالَى {: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ} والصحابة أوّل من يشمله لفظ الآية , فشَهِدَ الله لَهُمْ بِأَنَّهُمْ يَأْمُرُونَ بِكُلِّ مَعْرُوفٍ، وَيَنْهَوْنَ عَنْ كُلِّ مُنْكَرٍ، فَلَوْ كَانَت الآية فِي زَمَانِهِمْ لَمْ يفسرها إلَّا مَنْ أَخْطَأَ مِنْهُمْ = لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْهُمْ قَدْ أَمَرَ فِيهَا بِمَعْرُوفٍ , وَلَا نَهَى فِيهَا عَنْ مُنْكَرٍ؛ إذْ الصَّوَابُ مَعْرُوفٌ بِلَا شَكٍّ، وَالْخَطَأُ مُنْكَرٌ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ. وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمَا صَحَّ التَّمَسُّكُ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً، فمن ثمّ كان خطأ الواحد منهم إذا لم يخالفه غيره = ممتنع، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ.

4 - قَوْله تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ: أَنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَهُمْ أُمَّةً خِيَارًا عُدُولًا، هَذَا حَقِيقَةُ الْوَسَطِ، فَهُمْ خَيْرُ الْأُمَمِ، وَأَعْدَلُهَا فِي أَقْوَالِهِمْ، وَأَعْمَالِهِمْ، وَإِرَادَتِهِمْ وَنِيَّاتِهِمْ، وَبِهَذَا اسْتَحَقُّوا أَنْ يَكُونُوا شُهَدَاءَ لِلرُّسُلِ عَلَى أُمَمِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ عَلَيْهِمْ، فَهُمْ شُهَدَاؤُهُ، وَلِهَذَا نَوَّهَ بِهِمْ وَرَفَعَ ذِكْرَهُمْ، وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ؛ وأَعْلَمَ خَلْقَهُ بِحَالِ هَؤُلَاءِ الشُّهَدَاءِ.

وَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يَشْهَدُ بِعِلْمٍ وَصِدْقٍ فَيُخْبِرُ بِالْحَقِّ مُسْتَنِدًا إلَى عِلْمِهِ بِهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {إلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} , فَقَدْ يُخْبِرُ الْإِنْسَانُ بِالْحَقِّ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ بِهِ، وَقَدْ يَعْلَمُهُ وَلَا يُخْبِرُ بِهِ؛ فَالشَّاهِدُ الْمَقْبُولُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الَّذِي يُخْبِرُ بِهِ عَنْ عِلْمٍ.

فَلَوْ ذكر أحدهم معنىً لآيةٍ وكان مخالفاً لمراد اللَّهِ وَرَسُولِهِ , ولم يخبر غيره بالمعنى الصواب فيها والذي أراده الله تعالى من كلامه = لكَانَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ الْعَدْلُ الْخِيَارُ قَدْ أَطْبَقَتْ عَلَى خِلَافِ الْحَقِّ، بَلْ انْقَسَمُوا قِسْمَيْنِ قِسْمًا أَفْتَى بِالْبَاطِلِ وَقِسْمًا سَكَتَ عَنْ الْحَقِّ، وَهَذَا مِنْ الْمُسْتَحِيلِ فَإِنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمْ وَيَخْرُجُ عَنْهُمْ إلَى مَنْ بَعْدَهُمْ قَطْعاً.

5 - قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح -بمجموع طرقه- عن أنس رضي الله عنه: (إن أمتي لا تجتمع على ضلالة) , فلو أخطأ بعض الصحابة لوجب أن يقيم الله في وقتهم من يكون على الصواب.

6 - مَا ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ أَنَّهُ قَالَ: {خَيْرُ الناسِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ} فَأَخْبَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنَهُ مُطْلَقًا، وَذَلِكَ يَقْتَضِي تَقْدِيمَهُمْ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْخَيْرِ، أمّا لَوْ كَانُوا خَيْر القرون مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ، فَلَا يَكُونُونَ خَيْرَ الْقُرُونِ مُطْلَقًا، فَلَوْ جَازَ أَنْ يُخْطِئَ الرَّجُلُ مِنْهُمْ فِي قول وَسَائِرُهُمْ لَمْ يقولوا بِالصَّوَابِ -، وَإِنَّمَا ظَفَرَ بِالصَّوَابِ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَأَخْطَئُوا هُمْ - للَزِمَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَرْنُ خَيْرًا مِنْهُمْ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْنَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى الصَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ الْقَرْنِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْخَطَأِ فِي ذلك الفن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015