أول دليل ينقض هذه القاعدة المزعومة: أن مقرري هذه القاعدة هم أول من خالفها.

حيث نجد لهم أقوالاً كثيرة في التفسير وغيره لم تكن موجودة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم

قولك إن لهم (أقوالاً كثيرة في التفسير لم تكن موجودة .. ) هذا أشد ما نحتاج إليه؛ فهلاّ أكثرت منه؟

من يريد هدم أصولٍ ثبتت قروناً ينبغي أن يتهيّأ بعشرات الأدلة , وينتقي من الأمثلة الوافرة , ويتخير من كثرتها؛ ليعيد الأمة إلى ما غفلت عنه , وما جهلته.

لكن مع إشكالية فهم الأمثلة , وما أراد به السلف .. كان لا بد لها أن تقل كثيراً.

وأنا أحمد الله على ذلك؛ فإن الأمثلة المذكورة –على قلتها- كافية في تحديد الصورة , وبيان الحال.

ومن العدل أن أقول: إن كثرة هذه الأقوال عند أبي حسان ربما جاءت من جهة عَدِّه التفسيرَ والاستنباطَ معاً.

وهذه إشكالية أخرى!

فلا علاقة للاستنباط بموضوعنا كما قررنا جميعاً –المتحاورون ومدير الحوار- منذ بدايته.

ومن لا يُفَرِّق بين التفسير والاستنباط ليس أهلاً أن يتكلم في هذه المسألة , وأبو حسّان من أوّل حوارنا هذا إلى آخره لم يتكلم في الاستنباط بشيء.

فماذا يعني هذا الأمر؟

لا بد أن يعني هذا عندك أمراً واحداً – كعادتك - ,

ولا بد أن يكون متعلقاً بالمقاصد – كما عوّدتنا -.

ليس له إلا تفسير واحد وهو: أن هذه القاعدة وضعت لمقاصد من أهمها تضييق الدائرة على المخالفين بحيث يُمنعوا من كل رأي جديد يعجز أصحاب التوجه السلفي عن رده بالحجة والبرهان

عقدة التآمر .. لا تليق بعقل يدعو إلى التجديد والانطلاق.

وأما هم فينسون أو يتناسون ما يزيدونه من آراء واجتهادات من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من السلف رضوان الله عليهم

نعم نحن نجتهد كما اجتهدوا , وكما علّمونا أن نجتهد , ونجدد فيما نجتهد , ولا نحاصر عقولنا حيث يسعنا الانطلاق , وانظر إلى سعة وجِدّة وشمول دائرة العقل والنظر والتجديد والاجتهاد عندنا:

- نجتهد في تحديد ما أجمعوا عليه وتحقيقه.

- وفي الترجيح بين أقوالهم عند الاختلاف.

- وفي الاختيار من أقوالهم إذا اختلفوا.

- وفي الجمع بين أقوالهم حين تتغاير والمعنى واحد.

- وفي الزيادة عليها من جهة التفسير بالمثال وبجزء المعنى وباللازم.

- وفي تنزيل المعاني على الوقائع المستجدة.

- والاستشهاد بالآيات على الواقع.

- وفي كل ما كان وراء التفسير -وهو الباب الأعظم للنظر والتأمل والتجديد والاستخراج-.

فانظر ما أعظم وأجلّ مجال النظر عند أهل السنة وأتباع السلف.

وانظر أخرى: هل فيها الاجتهاد فيما لم يقله السلف رضوان الله عليهم؟

لا ولله الحمد؛ لأنهم كفونا مؤونة إصابة الحق –فيما اجتمعوا فيه وفيما اختلفوا- , وقد ضمنه الله لنا على أيديهم.

وأما نحن فنقول مرحبا بكل فكرة جديدة ومرحبا بالقائل مهما كان توجهه واعتقاده، ليقل ما شاء فأمامنا أسس وقواعد علمية محكمة نتحاكم إليها ولا نُصادر أي رأي لمجرد أنه خالفنا

ولذلك نقول: مرحباً بك أبا حسان معنا.

ونتيح المجال لكل الأجيال بأن تقول ما تشاء وتفهم ما تشاء

هذا يؤكد حقيقة دعوتك إلى فهم جديد معاصر يغاير تماماً الفهوم السابقة للقرآن الكريم.

واعتبر أني من هذه الأجيال التي تبيح لها أن تقول ما تشاء , وتفهم ما تشاء؛ فلماذا تُحرّم عليّ مخالفة إجماع الصحابة الثابت الذي أكّدت الأخذ به أوّل حوارنا؟!

وما قيمة اعتبار هذا الإجماع إن كان لكل أحد في كل زمان أن يفهم كما يشاء؟!

هل تعي معنى هذا أبا حسان؟

بهذا أبطلت ما سبق أن أقررت به بوضوح , وهذه حقيقة رؤيتك للموضوع , وأخشى أن إثباتك إجماع الصحابة ليس إلا مجاملة لنا في أوّل الحوار , وما ظننتَ أنه سيكون أكبر عائق أمام دعوتك الصريحة آخراً.

فالحقيقة هي التي ستصمد وتبقى، وسيتهافت كل باطل، وهذه سنن إلهية لا تتحول ولا تتبدل، وهي التي تدافع عن نفسها وتنتصر لنفسها، وهي بغنى عن كل فرقة تريد مناصرتها

ولماذا تجهد نفسك في مناصرتها؟!

وكمثال صارخ على ما أقول

لغة الصحافة وأساليب التهويل لا تليق بالحوار العلمي.

روي عن مجاهد أنه فسر قول الله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: "هو إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش"

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015