ـ[أبو حسان]ــــــــ[19 Feb 2010, 06:57 م]ـ

التطبيق

فيما سبق كان يغلب على النقاش جانب التنظير والتأصيل مما يجعل التصور أحيانا لبعض القراء غير واضح، والآن سأعطي مثالاً تطبيقيا يوضح مقصدي من هذا الموضوع لعله يقرب وجهات النظر أكثر إن شاء الله تعالى.

في قوله تعالى: (ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء).

هذه الآية لم يُنقل عن الصحابة في تفسيرها إلا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال – في قوله تعالى: {كأنما يصّعَّد في السماء} - قال: "كما لا يستطيع ابن آدم أن يبلغ السماء فكذلك لا يقدر على أن يدخل التوحيد والإِيمان قلبه حتى يدخله الله في قلبه".

وقد أوضح هذا المعنى الذي أراده ابن عباس بعضُ التابعين، فروي عن عطاء الخرساني أنه قال: "كأنما يصعد في السماء يقول: مثله كمثل الذي لا يستطيع أن يصعد في السماء".

قال ابن عطية: " أي كأن هذا الضيق الصدر يحاول الصعود في السماء".

وهذا المعنى الذي فهمه ابن عباس للآية وفسرها على ضوئه نطرح حياله عدة أسئلة:

1 - هل هذا التفسير من ابن عباس يُعد في حكم المجمع عليه من قبل الصحابة؟

2 - هل يجوز نقد هذا التفسير المروي عن ابن عباس؟

3 - هل يجوز إحداث قول مخالف لهذا التفسير ومعارض له؟

من يرى أنه لا يجوز إحداث قول خارج عن أقوال السلف يجيب على جميع الأسئلة بعدم الجواز، ويرى أن هذا التفسير هو في حكم المجمع عليه ولا يجوز نقده ولا معارضته.

وعليه فإن التفسير الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي في العصر الحديث يُعد معارضاً لهذا التفسير المنقول عن السلف، وعليه فيجب رده وعدم قبوله. (هكذا يقول السلفيون)

ونأتي الآن لبيان التفسير المعاصر الذي قال به دعاة الإعجاز العلمي حيث قالوا: معنى الآية أن من يرد الله إضلاله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كحال من يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس بسبب انخفاض الضغط الجوي وقلة الأوكسجين.

والآية ليس معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يمتنع عليه الإيمان كامتناع الصعود إلى السماء على الإنسان – كما يقوله السلف - وإنما معناها أن من أراد الله إضلاله فإنه يجعل صدره ضيقا حرجا عن قبول الإيمان، فهو إذاً دائم الشعور بالضيق والحرج في صدره، وهذا الضيق سببه الكفر، وهذا الضيق الذي يشعر به في صدره يشبه الضيق الذي يحصل لمن يصعد في السماء، فإنه يجد صعوبة في التنفس مما يعكر عليه مزاجه.

وكما هو ملاحظ فإن هذا التفسير مغاير تماماً للمروي عن ابن عباس في تفسير الآية.

فهل نقول أخطأ ابن عباس في تفسير الآية؟

الذي أراه أن هذا التفسير من ابن عباس رضي الله عنهما لا يعدو أن يكون اجتهاداً منه في فهم الآية، وهذا الاجتهاد مبني على معطيات بشرية وزمنية، وهي قابلة للخطأ والصواب، وليس لها أي عصمة من الخطأ، وعليه فما المانع أن ننتقد هذا التفسير بنقد علمي ونعارضه بالتفسير العلمي المعاصر ونذكر أدلتنا التي تؤيد القول المتأخر على المتقدم.

ومما يمكن أن يوجه لأثر من ابن عباس من نقد أن يُقال:

1 - أن الآية جاءت بصيغة الظرفية في قوله: (في السماء) وهذا يفيد بأن التصعد يكون حقيقة في ظرف السماء، ولو كان المعنى على ما قال ابن عباس لجاءت الآية بلفظ (إلى السماء).

2 - أن تفسير ابن عباس يسلتزم تقديرا في الآية وهو "يريد" أو "يحاول" والقاعدة أنه إذا تعارض ظاهر الآية مع إحتمال التقدير قدم الظاهر.

3 - أن السياق يُعارض المعنى الذي قاله ابن عباس، فقوله: (يجعل صدره ضيقا حرجا) هذا الضيق والحرج لا يتأتى لمن يحاول أن يصعد إلى السماء، وإنما يحدث لمن يصعد حقيقة، كما كشف ذلك العلم الحديث.

4 - قوله: (يصعد) بتشديد الصاد يفيد التدرج بالصعود وهذا المعنى لا يتأتى على قول ابن عباس بأنه من يحاول الصعود، لأن من يحاول الصعود لا يكون منه تدرج في الصعود.

5 - أن قوله (يصعد) أصله يتصعد، والتصعد يعني وقوع التصعد حقيقة، بخلاف من يحاول الصعود فإنه لا يقع منه تصعد.

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[20 Feb 2010, 01:27 ص]ـ

من لا يحسن فهم أقوال السلف .. لا يحق له محاكمتهم.

وهذا أساس مشكلة أبي حسان مع أقوال السلف , ومثاله السالف في {غير المغضوب عليهم ولا الضالين} , مع هذا المثال هنا عن مجاهد دليل على ذلك.

الأدلة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015