لا مزيد من التلبيس أبا حسان؛ ولا حاجة للظهور بمظهر الورع المتثبت , فقد أخبرتنا في أول كلامك أن هذا قول الإمام أحمد , ثم نقلت هذا عنه هنا منكراً عليه , ولا وجه لإنكار ثبوتها عنه وقد نقلها عنه القاضي أبو يعلى من رواية عبد الله ابن الإمام أحمد وأبي الحارث.

إن محاولة هؤلاء حشر الأمة بأقوال الصحابة وتحريم الخروج عليها هو من باب غلق الباب عن كل جديد

لماذا تستعجل النتائج؟ أين المنهج العلمي؟ وأين الاستدلال؟ بل أين العقل والإنصاف عن الدراسات التجديدية في التفسير والتي لا ينكرها إلا مكابر؟

أم لابد في التجديد أن يكون بالابتداع حتى تقبله؟

ومع الأسف لم يستطيعوا ولم يحسنوا لغة الحوار والمناظرة مع خصومهم، فلجأوا إلى لغة الإقصاء والمنع من محاورتهم وأفتوا بتحريم ذلك، وهل الحقيقة تُحجب بمجرد المنع؟

صدقت كان بالإمكان طردك , ومنعك من المشاركة في الملتقى , ولكن .. مازلنا نحاورك , وتقول ما تحب كما تحب , وحين أردت مجاملتنا في بعض المشاركات أبينا عليك إلا أن تأخذ حريتك في الكلام , وتطرح ما تعتقد.

فأيّ إنصاف أعظم من هذا؟!

وأين الإقصاء والمنع؟!

وأين أنت من عقل وحوار الكناني في (الحيدة) , وأبو حنيفة , وأحمد , والشافعي , وابن جرير , والباقلاني , وابن تيمية , وغيرهم كثير؟

إن الدليل الذي يصمد أمام النقد هو الدليل الذي يستحق الإشادة ويُسلم له، وهذا لا يكون إلا من الكتاب والسنة بحيث يكون واضح الدلالة في المقصود، وكذا الدليل المعلل على أصول لا تقبل النقض

ما أسهل الكلام أبا حسان .. حتى الآن ما رأينا في كلامك شيئاً من ذلك , فتقريرك في واد وتطبيقك في واد آخر.

إذا علمنا هذا فإن كل ما يذكره هؤلاء من تعليل لنصرة هذه الفكرة - أعني أصل مسألتنا - فإنه لايثبت أمام النقد العلمي، لأن الفكرة أُصلت أولاً بلا دليل ثم تكلفوا الأدلة لنصرتها ولتمريرها على العامة بحيث لا يُقبل بعد ذلك أي رأي يستجد من أي فرقة مهما كان في القوة.

وهذا هو أساس المشكلة برمتها

أعانك الله على فهمك , وأعاننا الله عليه.

(كُلّ ما يذكرونه .. لا يثبت أمام النقد العلمي) ,

وكيف ثبت كل هذه القرون؟

ولماذا لم ينقده أحد من العلماء - قبلك؟

بل لماذا لم تنقده أنت (نقداً علمياً)؟

وليتهم وقفوا عند هذا الحد وحسب، ولكنهم لجأوا أيضاً إلى أسلوب الإرهاب الفكري، فأصدروا الفتاوى المغرقة بالتطرف والمحذرة من كل قول جديد، حتى وصل الحال ببعضهم أن أصدروا فتاوى التكفير في حق كل رأي يخالف بزعمهم رأي السلف

(الإرهاب الفكري , التطرف , فتاوى التكفير) هذا كلام جرائد , انقله في الصحف الالكترونية والمواقع الفكرية وناقشه هناك.

ولا يقوله إنسان يحمل الدكتوراه في علم شرعي , فضلاً عن الدكتوراه في القرآن وعلومه؛ ولذلك أنا أشك في هذا.

ومع الأسف فإن أبناء هذا العصر انساقوا خلف ما تم تأصيله في عصور قديمة ولم يكلفوا أنفسهم عناء البحث في أسباب هذا التأصيل ومدى موافقته للحقيقة، بل زاد الطين بله أن صرنا نقرر كل ما قالوه ونتعامل به مع واقعنا على أنه حقيقة مسلمة ولا يجوز أن نتعداها، مع أن الواقع اختلف جذريا فلم تعد كثير من تلك الأزمات الفكرية موجودة الآن، بل استجدت أزمات أخرى نحن بحاجة إلى تنزيل نصوص الوحيين عليها بأصول جديدة مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة

اقرأوا هذا بتمعن:

بل استجدت أزمات أخرى نحن بحاجة إلى تنزيل نصوص الوحيين عليها بأصول جديدة مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة

هذه حقيقة دعوتك أبا حسان , أصولٌ جديدة لفهم القرآن , تقوم على ركنين:

الأول: أنها جديدة معاصرة.

الثاني: أنها مغايرة كل المغايرة لتلك الأصول القديمة التي ولدت في حقبة معينة لأسباب معينة.

كم سمعت هذا من العلمانيين والحداثيين وأصحاب القراءات الجديدة للقرآن الكريم , وكم سعت إلى هذا أمم الاستشراق ومراكز الدراسات الاستراتيجية الغربية , إنه –بالنص- ما يسعون إليه ويروجونه بكل وسيلة إعلامية أو ثقافية أو اجتماعية أو حتى سياسية.

أصول المبتدعة في فهم القرآن هي الأصول التي يدعوا إليها وينادي بها أعداء الإسلام صراحةً؛ لأنه لا سبيل لهم لتغيير أديان الناس ومفاهيمهم العقدية والشرعية إلا من خلالها.

هل رأيت أحداً من المستشرقين أو العلمانيين أو نحوهم يدعو الناس إلى التمسك بفهم الصحابة وتفسيرهم للقرآن وأن لا يخرجوا عنه أو يخالفوه؟!

وهذا ما أدركه عقل أولئك السلف؛ أن البدعة دهليز الكفر , ولذا حذروا منها أشد التحذير , بل اشتدت عبارتهم في ذلك , فلا تستغرب عبارة الإمام أحمد حين يصف قول من يخرج عن أقوال الصحابة أنه مبتدع خبيث. فجزاهم الله أعظم الجزاء وأوفاه.

ولا أدري أيّ دين سنكون عليه لو أخذ الناس برأي أبي حسان وأصوله في فهم القرآن من قديم؟

وكان الأولى بها أن تموت مع أصحابها كما ماتوا.

بعض أهل البدع ممّن سبق كانوا يجيدون الهدم .. ولا يحسنون البناء , أمّا أنت فلا تجيد الهدم ولا تحسن البناء.

هذه الأصول لن تموت لأنها الحق؛ والحق باقٍ ولو كره المجرمون.

ولأن من يعارضها من أهل الباطل ليسوا كفئاً لهدمها وإماتتها , بل لهم أعظم نصيب ممّا قال الله: {إن شانئك هو الأبتر}.

وها أنذا أخبرك أبا حسان:

لن تستطيع هدمها , ولن يستطيعه أحدٌ غيرك بإذن الله , وأقول هذا عن علمٍ ويقين , وحوارنا هذا مثالٌ يسير على ذلك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015