أحاديّة التفكير؛ وإرجاع الظواهر إلى سبب واحد .. أكبر دليل على ضعف العقل وضيق التفكير.

لا أدري كيف يدعي التجديد والعقل من يفكر هكذا؟!

أجزم أنك لم تقرأ (إعلام الموقعين) كما ذكرت , أو –وأعيذك منها- قرأته وتكابر , فإنه يكاد يكون كله في ذم التقليد وأهله والنعي عليهم , والأمر بالنظر والاجتهاد كما كان الصحابة والأئمة بعدهم.

فأين القواعد (المغرقة) في التقليد؟!

وكل من سمَّيتهم مع ابن القيم؛ كالإمام أحمد وابن تيمية وابن رجب وابن عبد الهادي من أشد الناس ذَمّاً للتقليد وأعظمهم اجتهاداً وتجديداً في دين الله , وكتبهم والأئمة ممّن وافقهم وخالفهم يشهدون بذلك.

وهب أنهم نصروا ذلك القول فقط (ردَّة فعل) لآراء عقدية ظهرت بعد زمن الصحابة كما ذكرت؛ فلماذا يختاره وينصره: عامّة الفقهاء وجمهور الأصوليين؟!

لماذا نصّ عليه الإمام الشَّافِعِيُّ واختاره مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ والآمدي والرازي وأبو إسحاق الشيرازي والغزالي والجوينى والزركشي والْأُسْتَاذُ أَبُو مَنْصُورٍ وإلْكِيَا وابْنُ بَرْهَانٍ والْقَفَّالُ الشَّاشِيُّ وَالْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَكَذَا الرُّويَانِيُّ، وَالصَّيْرَفِيُّ وابْنُ الْقَطَّانِ وابْنُ مُفْلِحٍ وَالطُّوفِيُّ وزكريا الأنصاري وغيرهم وغيرهم. وبعضهم صاروا أئمة لبعض الآراء التي ظهرت بعد زمن الصحابة.

نحن لسنا أطفالاً أبا حسان حتى تغالطنا وتلبّس علينا هكذا.

إنا نعي ما نقرأ , ونفهم ما تقول , فلا تعد إلى هذا الأسلوب الساذج في الاستدلال.

ولعل أقرب مثال لذلك نفي ابن تيمية للمجاز وكذا بعض تلاميذه، وفعلهم هذا مكابرة ومصادمة لحقيقة لا يمكن إنكارها، وإنما لجأوا للنفي حتى يغلقوا الباب على خصومهم ممن يرى تأويل الصفات متذرعاً بالمجاز اللغوي، فلاحظ كيف كابر منكروا المنجاز الحقيقة نصرة لمذهبهم

لا يخفى على القارئ كيف انحرفت بالموضوع لتصل به إلى هذا , وللأسف فهمك له ليس بأحسن من فهمك لما قبله , فلن ننجرّ معك إليه.

وتأمل كلام الإمام أحمد – رحمه الله – بخصوص هذه المسألة تجد عين ما قلته، فإنه حينما سئل: هل لرجل أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا؟ فأجاب رحمه الله: "هذا قول خبيث، قول أهل البدع، لا ينبغي لأحد أن يخرج من أقاويل الصحابة إذا اختلفوا".

فانظر كيف تم ربط المسألة بأهل البدع ويقصد بهم أرباب المقالات التي استجدت في الساحة الإسلامية

من أعظم آثار جواب الإمام أحمد هذا = غلق الباب أمام البدع وأهلها , ولا ينكر هذا أحد , وهذا ممّا أوجبه الله علينا , وأمرنا به رسوله صلى الله عليه وسلم , وهذه نتيجة طبيعية لاتباع أقوال الصحابة والاحتجاج بها , فلماذا تغضب من هذا أبا حسان؟!

أجمع المبتدعة على عدم اعتبار أقوال الصحابة فيما اختلفوا فيه وفيما اتفقوا فيه. وتأمّل هذا تجده جليّاً في كل طائفة أحدثت ما لم يكن على زمن رسول الله وأصحابه , فكل المبتدعة مشتركون في هذا.

وقد تنبه لهذا رؤوس المبتدعة وأهل الكلام في تاريخ الإسلام , واجتهدوا في تجاوزه مبكراً , وأصّلوا لذلك أصولاً تضمن لهم فهم النصوص بعيداً عن فهم الصحابة رضي الله عنهم , وأبرزها:

- تقديم العقل على النقل.

- وفهم القرآن بلسان كل زمان.

واقرأ ما قاله الإمام أبو الحسن الأشعري مبيناً وجه فساد تفسير شيخه أبي علي الجُبّائي , حين قال: (ورأيت الجبائي ألف في تفسير القرآن كتاباً أوَّلَه على خلاف ما أنزل الله عز وجل , وعلى لغة أهل قريته المعروفة بِجُبّى –بين البصرة والأهواز- , وليس من أهل اللسان الذي نزل به القرآن , وما روى في كتابه حرفاً واحداً عن أحد من المفسرين , وإنما اعتمد على ما وسوس به صدره وشيطانه). السير 14/ 183 , وشذرات الذهب 4/ 18,130.

نعم لا ينبغي لأحد أن يخرج عن أقاويل الصحابة إذا اختلفوا , ومن خرج عنها ابتدع ولا بد؛ لأن الله تعالى ضمن لنا أن الحق فيها , وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم.

هذا إن صح النقل عن الإمام أحمد، مع أني استبعد ثبوت ذلك عنه، حيث إن إمامته ومكانته التي حباه الله إياها تأبى صدور ذلك منه

من الطبيعي أن تشك في ثبوتها عنه؛ لأنها لا توافق هواك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015