وقال عبدالله بن الإمام أحمد بن حنبل: سمعت هذا الحديث من جماعةٍ، وما رأيت أحدًا من المُحدّثين يُنكره، وكان عندنا في وقتِ ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنّما تُنكره الجهمية.

وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة: وبلغني عن بعض الجُهّالِ دفع الحديث بقلِّةِ معرفتِهِ في ردِّهِ مما أجازه العلماءِ ممن قبله ممن ذكرنا، ولا أعلمُ أحدًا ممن ذكرتُ عنه هذا الحديث إلا وقد سَلّم الحديث على ما جاء به الخبر، وكانوا أعلمَ بتأويل القرآن وسُنّة الرسول صلى الله عليه وسلم ممن ردّ هذا الحديث من الجُهّال، وزعم أن المقام المحمود هو الشّفاعة لا مقام غيره.

وقال أبو بكر الآجري: وأما حديث مُجاهد .. فقد تلقّاه الشُّيوخ من أهل العلم والنَّقل لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تلَقّوها بأحسن تلقٍّ، وقبلوها بأحسن قبول، ولم يُنكروها، وأنكروا على من ردَّ حديث مُجاهدٍ إنكارًا شديدًا، وقالوا: من ردَّ حديث مجاهد فهو رجلُ سُوء.

قلت: فمذهبنا - والحمد لله - قبول ما رسمناه في هذه المسألة مما تقدّم ذكرنا له، وقبول حديث مُجاهد، وترك المعارضة والمناظرة في ردِّه، والله الموفق لكُلّ رشادٍ، والمعين عليه. اهـ

وأما ابن تيمية فإنه تلطف في عبارته تجاه هذا الأثر ولم نر فيه تلك الشدة التي يستعملها تجاه خصومة حيث قال في درء تعارض العقل والنقل: "حديث قعود الرسول صلى الله عليه وسلم على العرش رواه بعض الناس من طرق كثيرة مرفوعة وهي كلها موضوعة وإنما الثابت أنه عن مجاهد وغيره من السلف وكان السلف والأئمة يروونه ولا ينكرونه ويتلقونه بالقبول".

وأما ابن القيم فقد انتصر له أيضا حيث ذكر من قال به وسكت من غير تعليق، قال في بدائع الفوائد: (قال القاضي: صنف المروزي كتابا في فضيلة النبي صلى الله عليه وسلم و ذكر فيه إقعاده على العرش، قال القاضي: وهو قول أبي داود وأحمد بن أصرم ويحيى بن أبي طالب وأبي بكر بن حماد وأبي جعفر الدمشقي وعياش الدوري وإسحاق بن راهويه وعبد الوهاب الوراق وإبراهيم الأصبهاني وإبراهيم الحربي وهارون بن معروف ومحمد بن إسماعيل السلمي ومحمد بن مصعب العابد وأبي بكر بن صدقة ومحمد بن بشر بن شريك وأبي قلابة وعلي بن سهل ولأبي عبد الله بن أبي عبد النور وأبي عبيد والحسن بن فضل وهارون بن العباس الهاشمي وإسماعيل بن إبراهيم الهاشمي ومحمد بن عمران الفارسي الزاهد وحمد بن يونس البصري وعبد الله بن الإمام أحمد والمروزي وبشر الحافي، وهو قول ابن جرير الطبري، وإمام هؤلاء كلهم مجاهد إمام التفسير وهو قول أبي الحسن الدارقطني) انتهى.

وحجة هؤلاء قاطبة في قبول هذا الأثر عن مجاهد: أن الأمة تلقته بالقبول.

لاحظ كيفية الاحتجاج، وكيف خرموا - بحجتهم هذه - قاعدتهم التي تقول: كل تفسير خالف تفاسير السلف فهو باطل.

وهنا نطرح عدة أسئلة: من هذه الأمة التي تلقت هذا الأثر بالقبول؟ وهل رأي السلفيين لوحدهم يمثل رأي الأمة بأجمعها؟ ومن خولهم بأن يكونوا الناطقين الرسميين عن الأمة؟ وكيف همشوا غيرهم ممن يرد هذا الأثر وهم جمهور الأمة ليكونوا هم الأمة وحدهم؟ وكيف تتلقى الأمة هذا الأثر بالقبول وهو من قول تابعي واحد لم يتابعه عليه أحد؟ وكيف تتلقى الأمة هذا الخبر بالقبول وليس له سند متصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم؟

ولست أدري تحت أي دليل أو حجة أو قاعدة أو أصل انطلقوا في تبديعهم لمن يرد هذا الأثر؟

وكيف حكموا على من رده بالظلال والبدعة مع أنه إنما رده لعدم ثبوته مرفوعا؟

ولست أدري كيف نجمع بين رأيهم هذا وبين ما اتفق عليه المحدثون والمفسرون قاطبة من عدم قبول تفسير التابعي لأمر غيبي إلا إذا اعتضد بدليل، وليس ثمة دليل هنا.

وكيف؟ وكيف؟ أسئلة لا تنتهي أبدا، ولكن كما قيل: إذا عُرف السبب بطل العجب.

إذا ما السر وراء ذلك؟

إن السر وراء ذلك كله هو إغراقنا في السلفية والتعصب المقيت لها، وسيرنا على خطى أتباعها دون وعي منا، ودون أن نُكلّف عقولنا ولو شيئا يسيراً لتحليل ما يقوله دعاة أتباع السلف، حتى صرنا نُسلم للقائل لا للمقولة، من باب الغلو والتعصب للأشخاص لا غير، فالله المستعان.

ـ[نايف الزهراني]ــــــــ[15 Feb 2010, 08:00 م]ـ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015