وكمثال صارخ على ما أقول:

روي عن مجاهد أنه فسر قول الله تعالى: (عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا) قال: "هو إقعاد النبي صلى الله عليه وسلم على العرش".

وقد أطبق عامة السلفيين من لدن عصر الإمام أحمد إلى وقتنا هذا على قبول هذا الأثر عن مجاهد، وعدّوا هذا الأثر في حكم المرفوع، وتواطؤا على وجوب الاعتقاد بما فيه، وتبديع كل من يرده، ورميه بأنه من الجهمية أو منحاز لهم.

قال أبو بكر الخلال في كتاب السنة: هذا الحديث – يعني أثر مجاهد - لا ينكره إلا مبتدع جهمي، فنحن نسأل الله العافية من بدعته وضلالته.

وقال: وقد سمعت هذا الحديث من غير واحد من مشيختنا ما رأيت أحداً رد هذا.

وقال أبو بكر بن إسحاق الصاغاني: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: (عسى أنْ يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: يقعده على العرش، فهو عندنا جهمي يهجر، ونحذر عنه، فقد حدثنا به هارون بن معروف قال: حدثنا محمد بن فضيل، عن ليث، عن مجاهد في قوله: (عسى أنْ يبعثك ربك مقاماً محموداً) قال: يقعده على العرش، وقد روي عن عبد الله بن سلام قال: يقعده على كرسي الرب جل وعز، فقيل للجريري: إذا كان على كرسي الرب فهو معه؟ قال: ويحكم، هذا أقر لعيني في الدنيا، وقد أتى عليّ نيف وثمانون سنة، ما علمت أنّ أحداً رد حديث مجاهد إلا جهمي، وقد جاءت به الأئمة في الأمصار، وتلقته العلماء بالقبول، منذ نيف وخمسين ومائة سنة، وبعد فإني لا أعرف هذا الترمذي ولا أعلم أني رأيته عند محدث، فعليكم رحمكم الله بالتمسك بالسنة والإتباع.

قال أبو بكر الخلال: وقال أبو بكر يحيى بن أبي طالب: لا أعرف هذا الجهمي العجمي – يريد الترمذي - لا نعرفه عند محدث ولا عند أحد من إخواننا!! ولا علمت أنّ أحداً رد حديث مجاهد: يقعد محمداً (ص) على العرش، رواه الخلق عن ابن فضيل، عن ليث، عن مجاهد، واحتمله المحدثون الثقات، وحدثوا به على رؤوس الأشهاد، لا يدفعون ذلك، يتلقونه بالقبول والسرور بذلك، وأنا فيما أرى أني أعقل منذ سبعين سنة، والله ما أعرف أحداً رده، ولا يرده إلا كل جهمي مبتدع خبيث يدعوا إلى خلاف ما كان عليه أشياخنا وأئمتنا، عجل الله له العقوبة، وأخرجه من جوارنا، فإنه بلية على من ابتلى به، فالحمد لله الذي عدل عنا ما ابتلاه به، والذي عندنا والحمد لله أنا نؤمن بحديث مجاهد، ونقول به على ما جاء به، ونسلم الحديث وغيره مما يخالف فيه الجهمية من الرؤية والصفات، وقرب محمد (ص) منه، وقد كان كتب إلي هذا العجمي الترمذي كتاباً بخطه ودفعته إلى أبي بكر المروذي، وفيه أنّ من قال بحديث مجاهد فهو جهمي ثنوي، وكذب الكذاب المخالف للإسلام، فحذروا عنه، وأخبروا عني أنه من قال بخلاف ما كتبت به فهو جهمي، فلو أمكنني لأقمته للناس وناديت عليه حتى أشهره ليحذر الناس ما قد أحدث في الإسلام، فهذا ديني الذي أدين الله عز وجل به، أسأل الله أنْ يميتنا ويحيينا عليه.

هذه بعض النقول من كتاب السنة للخلال فقط، وتأمل لغة الإقصاء والتبديع لكل من يخالف هذا الأثر، وكأن من يخالفه قد رد القرآن كله!

وقال الإمام أحمد بن حنبل: قد تلقّتها العلماء بالقبول، نُسلّم الأخبار كما جاءت.

وقال ابن راهويه: الإيمان بهذا الحديث والتَّسليم له ... ، وليس يُنكر حديث ابن فُضيل عن ليث عن مجاهد إلا الجهميّة.

وقال الورَّاق: من رَدَّ هذا الحديث فهو جهميّ.

وقال أبو داود السِّجستاني صاحب السُّنن: من أنكر هذا فهو عندنا مُتهمٌ، ما زال النّاس يُحدِّثون بهذا، يُريدون مُغايظة الجهمية؛ وذلك أن الجهميّة يُنكِرون أن على العرشِ شَيءٌ.

قال: ما ظننت أن أحدًا يُذكرُ بالسُّنّةِ يتكلَّم في هذا الحديث.

وقال أبو علي الزعفراني البُصيراني: ما أدركنا أحدًا يردّه؛ إلا من في قلبه بَلِيّة، يُهجَرُ، ولا يُكلّم.

وقال إبراهيم الحربي: هذا حدَّثَ به عثمان بن أبي شيبة في المجلسِ على رُؤوسِ النَّاسِ، فكم ترى كان في المجلس عشرين ألفًا؟ فترى لو أن إنسانًا قام إلى عُثمان فقال: لا تُحدِّث بهذا الحديث، أو أظهر إنكاره تراه، كان يخرج من ثَمّ إلا وقد قُتِلَ.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015