إن كان قصدك أنا لا نقبل -ممّن يحكي الإجماع- نقله حتى يسنده عمّن قال بذلك الحكم من الأئمة = فهذا لم يقل به أحد , ولم يفعله أحد ممّن حكى الإجماع يوماً.

وإن كان قصدك أن من نقل الإجماع يلزمه أن يسنده عمّن أخذه منه , كنوعٍ من التثبت = فهذا حسن , وليس بلازم , بل لو أخبر العالمُ المجتهدُ المطلع على الأقوال في التفسير بإجماعهم على قول فيه = صحَّ قوله , وقُبلَ عنه حتى يثبت خلافه.

كل هذه الأسئلة تجعل كثيراً من هذه الإجماعات المحكية تتساقط أمام الحقيقة العلمية التي لا تعترف بمجرد الدعاوى، ولا تعترف بالمعلومة المغلفة بلباس القدسية لتمريرها على عقول كثير من الناس.

عزيزي أبا حسان

حين تنظر إلى تراثنا بهذا الإطار الضيق يصعب عليك فهم الأمور على حقيقتها كما هي.

نحن أكثر من يطالب بالدليل , ويعتمد على الدليل , ولولا ذلك لقبلنا كلامك من أوّل وهلة؛ حين أنزلت نفسك منازل الأئمة , وساويت رأسك بالرؤوس , وفي آخر مقالك من ذلك ما يُدهش.

ولا يُستغرَب ذلك ممن يقول عن السلف ما قلتَ , ومَن الإمام أحمد , والآجري , وابن تيمية، وابن القيم، وابن رجب، وابن عبد الهادي .. وغيرهم = عند الصحابة والتابعين وأتباعهم بالنسبة لك؟!

نعم نحن نُجل ونعظم نصوص الوحيين وندين الله تعالى بالاحتجاج والعمل بهما

ولأجل هذا أحببناك , وأهم من قول ذلك أن نجعله واقعاً لا شعاراً فقط.

ولكن بشروط كما هي معلومة قاسية في حق الأحاديث النبوية من علماء الحديث والجرح والتعديل، والذين بذلوا غاية الجهد في تمييز الصحيح من الضعيف، ووضعوا معايير قاسية تمنع تمرير أي حديث مكذوب، وتمنع أيضاً تمرير أي خطأ من الرواة والتي تقع غالباً من غير قصد

صدقت.

وأما حكايات الإجماع فلم تلقَ أي تمحيص أو تدقيق

أنت تخبر عن حَدِّ علمك , وبحسب ما سبق فمعلوماتك عن الإجماع محدودة , ولو تذكرتَ فقط (مراتب الإجماع) لابن حزم , و (نقده) لابن تيمية لتبين لك خطأ عبارتك , ناهيك عمّا كُتِب في إجماعات المفسرين على الخصوص.

إطلاق الأحكام بلا زمام هو أكثر ما نأخذه عليك أبا حسان , ولعل من أهم ما نستفيده هنا: أن نعدل في أحكامنا , ونزن ألفاظنا , ولا نبني أحكاماً على عواطف ومواقف لا تثبت عند التمحيص.

بل أُخذت على التسليم من أي قائل

ربما كما فعلتَ أنت , أمّا عند المحققين فلهم ميزانهم الذي ذكرتُ.

وليس المقام هنا لنقد هذا المصطلح الفضفاض الذي وللأسف لم يُحرر حتى الآن، وصارت تبنى عليه مسائل علمية خطيرة، وحتى تعلم صدق ما أقول راجع كتب الفقه والعقائد وانظر في كثير من الإجماعات، تجد أن من يحكيها عالم واحد أو اثنين أحدهما نقل عن الآخر، وكلاهما عاشا في زمن بعيد عن الزمن الذي يُفترض أن يكون وقع فيه الإجماع وهو زمن الصحابة، ثم تأمل كيف علموا بهذا الإجماع؟ وكيف سُلم لهم هذا الإجماع؟ ولو أنهم رووا حديثاً لم يُقبل منهم إلا بسند متصل، فكيف قُبل منهم هذا الإجماع، بمجرد دعوى منهم؟!

وأنا لا أُنكر حجية الإجماع، وهو عندي ملزم ويحرم مخالفته، ولكن بشروطه المعتبرة والتي ذكرت بعضاً منها.

نفس الكلام ونفس الجواب.

ـ[أبو حسان]ــــــــ[15 Feb 2010, 12:53 ص]ـ

الأدلة:

أول دليل ينقض هذه القاعدة المزعومة: أن مقرري هذه القاعدة هم أول من خالفها.

حيث نجد لهم أقوالاً كثيرة في التفسير وغيره لم تكن موجودة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم، فماذا يعني هذا الأمر؟

ليس له إلا تفسير واحد وهو: أن هذه القاعدة وضعت لمقاصد من أهمها تضييق الدائرة على المخالفين بحيث يُمنعوا من كل رأي جديد يعجز أصحاب التوجه السلفي عن رده بالحجة والبرهان، وأما هم فينسون أو يتناسون ما يزيدونه من آراء واجتهادات من عند أنفسهم لم يقل بها أحد من السلف رضوان الله عليهم.

وأما نحن فنقول مرحبا بكل فكرة جديدة ومرحبا بالقائل مهما كان توجهه واعتقاده، ليقل ما شاء فأمامنا أسس وقواعد علمية محكمة نتحاكم إليها ولا نُصادر أي رأي لمجرد أنه خالفنا، ونتيح المجال لكل الأجيال بأن تقول ما تشاء وتفهم ما تشاء فالحقيقة هي التي ستصمد وتبقى، وسيتهافت كل باطل، وهذه سنن إلهية لا تتحول ولا تتبدل، وهي التي تدافع عن نفسها وتنتصر لنفسها، وهي بغنى عن كل فرقة تريد مناصرتها، والحقيقة كضوء الشمس لا تحجبها الأيد مهما تكاثرت.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015