لا يحوي إلا كتباً بالية , كأنما جمعوها من أرصفة سوق السراي (سوق الكتب في بغداد).

مذكرات آخر الشهر

مشكلة يعانيها كل من ينزل في هذا البلد مغترباً , ليست هنا مطاعم يمكن أن يستغني الإنسان بها عن عمل الأكل في البيت، مطاعمهم نوعان: أحدهما لأصحاب الغنى واليسار، والآخر للفقراء وأصحاب الدخل المحدود، ولا أتكبر على الفقراء ولكنه من لون واحد: فول ومَكَرُونَه وكشري، مع فقدان النظافة أحياناً، ولهذا فالإنسان مضطر إلى عمل الطعام في البيت , وهو لا يستطيع أن يقوم به بنفسه فلا بد من أحد يستعين به، وهنا تظهر الحاجة إلى ما يسمى في مصر بالشغالة التي تقوم بأعباء البيت من تنظيف وغسيل إلى جانب الطعام .. ولكن متى سنجد الشغالة التي تأمنها على بيتك ومالك وعرضك؟ لا شك في أن الفقر دافع إلى هذا النوع من العمل , على كل حال نجد أنفسنا مضطرين إلى الشغالة .. ومنذ أن نزلت مع الأخ خليل كانت تعمل عندنا (أم محمود) يعرفها الأخ خليل منذ السنة الماضية تَعَرَّفَ عليها بواسطة بعض الأخوة الذين كانوا يدرسون هنا، ولكنها انقطعت عن العمل منذ 13 من الشهر المنقضي، ومكثنا من غير شغالة مما سبب لنا المزعجات، وأخيراً وجدنا شغالة ولكنها لن تعمل أكثر من يوم أو يومين، على ما يبدو، فهي لا تعرف شيئاً ولا تريد أن تعرف، وكنيتها (أم توحه، أي أم ضحى!).

دعوة

الجمعة 1 شباط 1974م = 9 محرم 1394هـ

جرت العادة أن يدعو الصديق صديقه إلى وجبة غداء أو شاي أو نزهة , وقد كان الأخ الحاج توفيق رشيد الذي حضر إلى القاهرة في دورة تدريبية ويسكن الآن مع أخيه الأصغر مجيد الذي يعد رسالة الماجستير عن نظام الضرائب في العراق، وكان قد دعانا إلى تناول الغداء في إحدى الجمع السابقة، وفكرنا في رد الدعوة وانتظرنا مجيء شغالة، ولكن يبدو أن ذلك سيطول، ولهذا فقد دعوناه وأخاه اليوم، وقام الأخ خليل بعمل الطعام: شوربة , شجر , ودجاج , أشياء مقبولة بل جيدة، الحق أننا نكن للحاج توفيق كل ود واحترام، فهو رجل مثقف ومسلم ويتكلم بأدب وعقل، ويعمل في سلك التعليم، وهو في بعكس أخيه الأصغر مجيد، الذي تجد عنده كل ما ينفر، وهل هناك أشد من بذاءة اللسان، إن لسان هذا الرجل حاد لا يخرج منه إلا ما يؤذي أو يخدش الحياء , ولا يسمعك إلا الكلام البذيء والقبيح، في الجد وفي المزاح , وهو متزوج وزوجته الآن معه، ولكنه لا يكف عن الكلام المفضوح المكشوف، وإنني لألاحظ أن أخاه توفيق يغضي حياء من بعض حكاياته، لا نرتاح لمجالسه، ولكنا دعوناه مجاملة للحاج توفيق أيضاً، وهو رغم ما يبدي من الميل لنا ولكني إن لم أكن أبغضه فإني لا أوده، لسوء منطقه وكثرة هزله وعبثه!

أثر العمل الإداري على العلم

السبت 2 شباط 1974م = 10 محرم 1394هـ

خرجتُ من البيت عجلا حتى أتمكن من حضور محاضرة الدكتور كمال محمد بشر في موعدها في الواحدة بعد الظهر، وصلت الكلية في المنيرة، وصليت الظهر صلاة خفيفة في مسجد الكلية الصغير، كل ذلك حتى لا تضيع المحاضرة , وجاءت الواحدة ومرت، وحضر عدد من الطلاب الذين يدرسون معي في فرع علم اللغة , ووقفنا نتطلع إلى انفراج الباب حتى ندخل نغترف من بحور العلم، الدكتور بشر هو عميد الكلية، ولا شك في أن هذا المنصب الإداري يستغرق وقتا طويلاً منه فهو لهذا كثيراً ما يعتذر عن المحاضرة , لا زلنا ننتظر وهمَّ البعض بالانصراف، وأخيراً وبعد الثانية دخلنا إلى مكتب سيادته، وجلسنا كنا خمسة وجاءنا الدكتور يحاول أن يظهر تودده وتلطفه وراح يقلب ورقة عليها بعض العلامات .. دي سوسير، بلومفيلد، وفيرث (لغويون غربيون). كان وكان، وتلخيص المنهج: وصفي وتأريخي، وبين الحين والحين يقول: أنا أشرح هذه النقطة على شان الأخ العراقي، وهو يقصدني , والحق أني لست محتاجاً كثيراً إلى مزيد شرح بعد أن حصلت على أوراق المحاضرات، فأنا أقرأ ومهما تكن فإني سوف أفهمها، وهو في شرحه يدور في فلك المحاضرات المكتوبة التي أجهد فكره عندما وضعها وهو يترجم من هنا وهناك من كتب اللغة الانجليزية ما يتعلق بالموضوع، والموضوع مناهج البحث في اللغة، وكان قد أعد المحاضرات منذ العام الدراسي 70 - 1971 في معهد البحوث والدراسات العربية، وهو اليوم يسرد علينا ما بقي في ذهنه منها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015