لم أكن إلا نصف نائم طيلة الليل، ومنذ أذان الفجر بل قبل ذلك استيقظت وإذا في البيت حركة لم تكن في الصباحات الماضية، وإذا الكل يقظون وعلى عجل جعلت كل أمتعتي في الحقائب الثلاث، واحدة ليس لي بها إلا جلد الحقيبة فهي هدايا من أهل ناطق صالح ومن أهل عامر بن سيد عبد الكريم، وكلمات التوديع أسمعها وأحس حرارتها، حتى الأطفال، لم نعهد هذا عندما كان أحدنا يسافر إلى بلدة داخل العراق، كنا ننتظر السيارة، أنا والأخ سالم والوالد والوالدة، سالم لديه إجازة حتى نهاية الأسبوع هو الآن يُدَرِّسُ في ثانوية بيجي للبنين، الوالد والوالدة يريدون الذهاب إلى بغداد لتوديعي ولعمل أوراق السفر الخاصة بالحج فإنهم سيذهبون إلى الديار المقدسة للحج للمرة الثانية، الأخ سفر ذهب لعمله صافحته، والأخ صالح، والأخوات .. ومضت السيارة وأنا أتلفت إلى الدار .. الشارع، بيوت بيجي من بعيد .. وصلنا إلى بغداد بعد التاسعة نزلنا عند بيت العم مصطفى، وبعد فترة وجيزة حملتنا السيارة إلى المطار، الأخ نوفل – ابن عمي مصطفى- صاحبنا بسيارته أيضاً، وبعد تسليم الحقائب والوزن علمت أن موعد إقلاع الطائرة قد تغير من الثانية عشرة إلى الرابعة عصراً، الشيء الغريب الذي وقعت فيه نتيجة الجهل هو أنه كان عندي زيادة في وزن الأمتعة المسموح بها حوالي (16) كيلو، وكان ذلك مما أرسله الأصدقاء من الهدايا، إذ إن وزن أمتعتي لا يتجاوز الوزن المسموح به، كان ثمن تلك الزيادة (7) دنانير، ولكن الله يعوض ذلك لي إن شاء، عدنا من جديد إلى بيت العم مصطفى .. الوالد والوالدة والأخ سالم ذهبوا إلى مديرية السفر والجنسية وقد أكملوا حتى الثانية والنصف ظهراً أكثر الأوراق، حوالي الثالثة غادرت بيت العم مصطفى بسيارة الأخ نوفل معه الأخ سالم والعم مصطفى، وودعت الوالد في بيت العم مصطفى، ومررنا إلى بيت الخال عبد وسلمت عليهم، وهناك ودعت الوالدة، لقد جذبتني بقوة وحرارة لا يمكن أن تنسى، من فضل الله أني وجدت الأخ خليل إسماعيل الحديثي الذي يدرس في القاهرة يريد أن يسافر في نفس الطائرة، وكان قد أرسل لي بأن نسكن معاً في القاهرة، بعد إقلاع الطائرة مرت بدمشق لم نر إلا المطار وقت غروب الشمس والجبال تبدو من بعيد، وصلنا القاهرة، والحمد لله بسلام، أنا نزلت في نفس الفندق الذي نزلت فيه في الصيف على أمل العثور على شقة في الأيام القادمة.
البحث عن سكن في القاهرة
الجمعة 30 تشرين الثاني 1973م = 6 ذو القعدة 1393هـ
كانت اليوم أمامنا مهمة العثور على السكن، منذ الصباح خرجت أنا والأخ خليل للبحث عن المكان المناسب للسكن، لاشك في أني لا أعرف المناطق المناسبة ولا طريقة المساومة مع أصحاب العقارات الذين بلغوا من المكر ما يذهب غير المحنك ضحية لمكرهم، هناك أمور يجب ملاحظتها في أمر السكن هي أولاً القرب إلى مكان العمل أو المكان الذي نحتاج إلى مراجعته كثيراً، وثانياً هدوء المنطقة ونقاؤها من أمراض الحضارة المعاصرة، ثم السعر لا بد أن يكون معقولاً على الأقل بالنسبة لي، ثم المواصلات أهم أمر في الموضوع، أنا أجد أن المنيرة التي تقع فيها كلية دار العلوم والتي يسكن فيها الشيخ مجاهد مصطفى مكان ممتاز من جهة قربها من الكلية، وهي كذلك ليست بعيدة بالنسبة للأخ خليل، ولكن المنيرة بنظر الأخ خليل غير مناسبة للدراسة لأنها وسط منطقة تكثر فيها الحركة ومنطقة شعبية، وهو يرى أن نبحث عن شقة في منطقة الجيزة في حي المهندسين أو المناطق المجاورة، أو قرب سكن ناطق صالح في مدينة الضباط، هذه المنطقة هادئة نسبياً ونظيفة وعماراتها واطئة لا تزيد على خمسة أدوار، ولكن ربما لا نحصل على شقه بأقل من ثلاثين جنيها، والمواصلات في هذه المنطقة مقبولة وإن لم تكن جيدة، لعل مشكلة المواصلات في هذا البلد المشكلة رقم واحد، ففي أي مكان وفي أي وقت تجد كافة وسائط النقل مزدحمة بشكل كبير، درنا اليوم دورات طويلة في القاهرة، في منطقة حي المهندسين وما يجاوره ثم إلى الأزهر، ومن هناك ذهبنا إلى مدينة نصر حيث صلينا الجمعة في أحد جوامعها، والتقينا بأخ عراقي اسمه جاسم، وقبل ذلك كنا قد زرنا مجيد رشيد التكريتي ووجدنا معه أخاه الحاج توفيق، وبعد كل ذلك عرجنا على العمارة رقم 110 جسر السويس حيث ينزل الأخ
¥