أما ابن عاشور فقد ربط المقاصد بنوعين من العلوم هي المعاملات (السياسية المدنية) والثاني هو علم العمران (الاجتماع) ولم يتعرض لغيرهما.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:24 م]ـ

قوة العلاقة بين القرآن والعلوم:-

ارتبط القرآن العظيم ارتباطاً وثيقاًَ بالعلوم لارتباطه بحياة الناس، فمن العلوم ما تم استنباطه من القرآن مباشرة، ومنها ما تعلق القرآن بقضاياه تعلقاً شديداً؛ فما من نوع من العلوم وإلا وللقرآن به تعلق؛ وإن اختلف هذا التعلق من نوع إلى نوع، ومن موضع في القرآن إلى موضع. والقرآن لا يفترض فراغاً أو إطاراً ذهنياً ينزل فيه أحكامه وتطبق فيه إرشاداته؛ بل لابد لهذه الأحكام والإرشادات أن تنزل على واقع الناس، ودراسة هذا الواقع تستوجب إعمال الدراسات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والتربوية والطبية وغيرها؛ ولهذا صارت لجان الفقه – كما هو مشاهد معلوم – تضم الأطباء والاقتصاديين وعلماء الاجتماع والتربية وغيرها، والحق أن الإنسان كلما كان أكثر معرفة بالعلوم كان فهمه للقرآن أحسن وأجود؛ ولهذا يقول الزركشي: (من كان حظه في العلوم أوفر كان نصيبه من علم القرآن أكثر)، ويقول ابن حزم: (على من قصد التفقه في الدين أن يستعين على ذلك من سائر العلوم، وحاجته إليها في فهم كلام ربه تعالى وكلام نبيه ( r).

وذهب ابن عاشور إلى أن علاقة العلوم بالقرآن على أربعة:-

- علوم تضمنها القرآن كأخبار الأنبياء والأمم وتهذيب الأخلاق والفقه والتشريع والاعتقاد والأصول والعربية والبلاغة.

- علوم تزيد المفسر علماً كالحكمة والهيئة وخواص المخلوقات.

- علوم أشار لها وجاءت مؤيدة له كطبقات الأرض والطب والمنطق.

- علوم لا علاقة لها به؛ إما لبطلانها كالزجر والعيافة والميثولوجيا؛ وإما لأنها لا تعين على خدمته كعلم العروض والقوافي.

والحق أن هذا التقسيم متداخل؛ إذ ما الفرق بين خواص المخلوقات والطب وطبقات الأرض وكلها علوم متعلقة بالمادة والحس؟! ومعلوم أن القرآن لا يمكن أن يخالف حقائق الحس؛ إذ إن الكون مخلوق له والقرآن كلامه، ولا يمكن أن يخالف كلامه خلقه، وليس معنى موافقة القرآن لعالم الحس موافقته بالضرورة لمعطيات العلوم الطبيعية التي تتدرج في إدراكها لعالم الحس نحو اليقين، ثم إن ابن عاشور ذكر علوماً لا علاقة لها بالقرآن إما لبطلانها أو لعدم إعانتها في خدمته، والعلوم الباطلة لم يقل بعلميتها أحد حتى نعدها ضمن العلوم ناهيك عن علاقتها بالقرآن، أما العلوم التي ذكر أنها لا تعين على خدمة القرآن كعلم العروض والقوافي فهي عند الباحث ليس كذلك؛ بل إنها تعين في ذلك، إذ لا يعرف فواصل القرآن وما فيها من أسرار إلا من يعرف القوافي والفروق بينها وبين الفواصل، ولا يعرف الفرق بين القرآن والشعر حق المعرفة من لم يعرف العروض.

ومهما يكن من أمر فإن القرآن تختلف تعابيره عن حقائق العلوم بحسب ذكره لذلك من ناحية وحسب طبيعة تلك الحقائق من جهة أخرى، فهو يذكر التفاصيل تارة ويذكر الكليات تارة ويذكر المقاصد تارة ويذكر الرؤى العامة في ذلك تارة؛ فما من شيء من العلوم إلا وهو في القرآن سواء على التفصيل أو الجملة والأصول أو على مستوى المقصد والرؤية العامة، وتلك طبيعة القرآن في التعبير عن كل شيء، فهمها من فهمها وعمه عنها من عمه، وإنما يدرك الناظر من ذلك بقدر اجتهاده وبذل وسعه ومقدار فهمه، وهذا الأمر يحتاج إلى بيان وتفصيل؛ وذلك كالآتي:-

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:26 م]ـ

تفاصيل العلوم في القرآن:-

سبق أن بعض العلوم قد تضمنها القرآن وذكرت تفاصيلها فيه، بل من العلوم الإسلامية ما يمكن أن يطبق بكامله على القرآن؛ وذلك كالنحو والبلاغة وعلم اللغة وأصول الفقه، وقد نشأت هذه العلوم أصلاً لخدمة القرآن؛ فالنحو قد نشأ لما تسرب اللحن إلى الناس عند قراءة القرآن، وقيل إن عليا كرم الله وجهه كما ذكر الإمام الذهبي وابن كثير والمزني وغيرهم أو عمر بن الخطاب كما ذكر القرطبي قد سمع رجلاً يقرأ: (أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ) بجر لفظة (ورسوله) عطفاً لها على المشركين؛ الأمر الذي نشأ عنه معنى غير مقبول كما هو واضح؛ فسمع هذا القارئ إعرابي، فتبرأ الإعرابي من رسول الله

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015