ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:21 م]ـ

تعليق على اتجاه ربط أصول العلوم بالقرآن:-

يبدو ربط الإمام السيوطي لبعض أصول الصنائع ببعض الآيات غير واضح، إذ ما العلاقة العلمية بين أصول الهندسة وقوله تعالى: (انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ)؟! وما العلاقة بين نسيج الثياب ونسج العنكبوت؟! وما العلاقة بين أصول الملاحة وقوله: (السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ)؟! ويبدو أن السيوطي يلتمس أدنى علاقة بين الأمرين؛ فيربط بين أشياء لا رابط بينها. أما استدلال الإمام محمد عبده بقوله تعالى (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) فهو تخلص وذكاء من الإمام؛ وإلا فليست الآية دالة على هذا المعنى وإن كان شائعاً بين الناس، بل إن الآية تدل على معنى مخصوص يبدو واضحا جداً من سياقها، وهو أن المشركين لما أنكروا إرسال الله تعالى رسولاً من البشر يأكل الطعام – رد الله عليهم بهذه الآية وأمرهم أن يسألوا أهل التوراة، ويسمى التوراة في القرآن ذكرا ومثال ذلك أيضا قوله تعالى: (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ) وقد أمر الله المشركين بأن يسألوا أهل التوراة عن الرسل الذي أتوهم هل كانوا من البشر أم الملائكة؟ وقد وردت هذه العبارة مرتين في القرآن في سورتي النحل والأنبياء، والآيتان جاءتا بصيغتين متقاربتين جدا ففي النحل: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وفي الأنبياء (وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) وقد رد الله عليهم في الأنبياء في الآية التي بعد تلك بقوله: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ) أي ما جعلنا هولاء الأنبياء جسدا لا روح فيه؛ إذ هم غير خارجين عن طباع البشر.

وقد ربط السيوطي أصول العلوم والصنائع بجزئيات القرآن وكان أولى أن يربط كليات المعاني القرآنية بجزئيات العلوم لا العكس، إذ أن من شأن التعبير القرآني في الغالب أن يذكر المفاهيم العامة والعبارات الكلية التي تتعلق ببعض العلوم ثم تفصل تلك المفاهيم والعبارات داخل العلوم.

ـ[جمال الدين عبد العزيز]ــــــــ[13 Jan 2010, 08:23 م]ـ

تعليق على اتجاه ربط العلوم بمقاصد القرآن:-

هذا الاتجاه هو أهم الاتجاهات في ربط العلوم بالقرآن؛ إلا أنه لم يلاق من الاهتمام ما يليق به ولم يجد من الاعتناء ما يناسبه، إذ أن الكتابات فيه محدودة للغاية والاعتناء به قليل جداً. ولم يتعرض له من العلماء غير الإمام الغزالي وابن عاشور؛ إلا أن ربط الإمامين الغزالي وابن عاشور يحتاج إلى تعليق فقد كان تصنيف الإمام الغزالي للعلوم تصنيفاً غريباً؛ إذ جعل العلوم الشديدة التعلّق بالقرآن علوماً صدفية هامشية، رغم أنه لا يجادل في أهميتها وعلو مكانتها وارتفاع منزلتها أحد. أما إذا أراد الغزالي أن هذه العلوم آلات ووسائط ومقدمات لعلوم أخرى مقصودة ولا تراد لذاتها فهذا وجه صحيح متقبل لا يماري فيه أحد. ثم إن الغزالي قد قدّم علم الكلام وجعله في مقدمة العلوم وفضله على علوم شديدة الأهمية في معرفة المعاني القرآنية، وهذا العلم يتشعب عنده من محاجة الكفار ومجادلتهم؛ وما ذهب إليه الغزالي يتعارض مع أقوال أكثر العلماء في موقفهم من علم الكلام؛ يقول أبو حنيفة: (لعن الله عمرو بن عبيد لأنه فتح للناس الطريق إلى الكلام) وقال أبو يوسف: (العلم بالكلام هو الجهل، والجهل بالكلام هو العلم) وقال: (من طلب العلم بالكلام تزندق) وقال الشافعي: (لئن يبتلى العبد بكل ما نهى الله عنه ما عدا الشرك خير له من أن ينظر في علم الكلام) وقال: (ما ارتدى أحد بالكلام فأفلح)

ولعل اهتمام الغزالي بهذا الجانب وما أحاط به من مؤثرات فكرية هو الذي دفعه إلى هذا الاتجاه، كما أن الغزالي قد أغفل العلوم الطبيعية إغفالا واضحا ثم عاد فربطها ربطاً عاماً وفيه شيء من التكلف الظاهر.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015