هـ) وعندما سُئل في التحقيق- وكانت إجاباته من منطلق أنها شهادة للتاريخ؛ حيث كان متأكدًا أنه سيصدر عليه الحكم بالإعدام، سأله المحقق: هل ترى أن هناك فرقًا بين المسلم المنتمى لجماعة الإخوان وغير المنتمى لتلك الجماعة؟

كانت إجابته المدونة في الأوراق:

"الذي يميز الإخوان أن لهم برنامجًا محددًا في تحقيق الإسلام فيكونون مقدمين في نظري على مَن ليس لهم برنامج محدد .. "

ثم سأله المحقق:

س: فلم التمييز بين أفراد هذه الجماعة وبين المسلمين قاطبةً وهم جميعًا أصحاب عقيدة وأهداف وبرنامج؟

أجاب: التمييز- في رأيي- ليس تمييز شخص على شخص، ولكن فقط باعتبار أن الجماعة ذات برنامج، وأن كل فردٍ مرتبط بهذا البرنامج لتحقيق الإسلام عمليًّا، وهذا هو وجه التمييز في رأيي".

فلم يكن رحمه الله حتى آخر يوم في حياته يعتقد أو يظن أن المسلمين أصبحوا داخلين في نطاق الكفر بل يثبت لهم الإسلام.

وأيضًا يتضح أن الشهيد لم يذهب مطلقًا في رؤيته أن ينتقي مجموعة من الأفراد ينعزل بهم عن المجتمع بحجة أنه جاهلي ليقوم بتربيتهم ثم القفز بهم على السلطة، فها هو يقرر بوضوح أن الطريق هو تربية أفراد المجتمع وتفهيمهم وإقناعهم القيم والتصورات الإسلامية وكيفية الالتزام الصحيح بها، وأن يشمل ذلك جيلاً بأكمله، فإن لم يكن المجتمع كله فعلى الأقل نسبة كبيرة فيه تصبح هي الغالبية وتملك التأثير فيه.

وقد كانت رؤيته لمجموعة الشباب في 65، أنهم خطوة على الطريق ضمن البداية التي يجب أن تستمر وتتسع لتشمل جيلاً بأكمله.

س) وفي تعريفه الجاهلية، وكما ذكر بالمعالم: "المجتمع الجاهلي: هو المجتمع الذي لا يُطبق فيه الإسلام ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه وسلوكه ونظامه وشرائعه .. "في ظلال القرآن جـ 2 صـ37.

وفي موضع آخر يحدد قصده منها: "إنها تعلن العلمانية كمنهج في التشريع، وحتى الحياة كلها، وبعضها وضع القوانين من عند نفسه تخالف شرع الله، وقال عنها: هذا شرع الله" إ. هـ.

فهو هنا يشير إلى حكم عام وليس حكمًا على أشخاص أو مجتمع معين، كما أنه يقصد بكلامه من يقول للناس أن هذا شرع الله، وهو متأكد أنه ليس كذلك بل من عند نفسه.

وما ذهب إليه الشهيد هنا، يتطابق مع ما قرره علماء المسلمين.

ص) ويظهر بوضوح أن أقوال الشهيد سيد قطب، عن الجاهلية، وعن الكفر لا تعني الأفراد، بل تتعلق بجاهلية السلوك والمناهج والقيم والتصورات، وبكفر التشريعات والأحكام المناقضة للإسلام. بل إنه في المسألة إثبات الإسلام يرى أن النطق باللسان بالشهادتين كافٍ لذلك.

يقول في الظلال في تفسير آية ?وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا? (النساء: الآية94): "يكتفى الإسلام هنا النطق بكلمة اللسان، فلا دليلَ يناقضها. "إ. هـ أي أنه يقول بإسلام مَن نطق بالشهادتين دون انتظار لامتحانه.

كما أنه في حديثه أحيانًا يتكلم عن جاهلية العقائد، وفي موضعٍ آخر عن جاهلية السلوك، وهناك فرق كبير بينهما.

ومن أقواله: "أنه فيما يختص بالفرد يكون الاحتكام إلى عقيدته وخلقه، وفيما يختص بالأمة الاحتكام إلى نظام حياتها كلها" إ. هـ.

والشهيد يقر ويعترف بإسلامية الأفراد في داخل مجتمعاتنا، أما الأنظمة التي توجه حياة الناس والعادات والسلوكيات والمفاهيم والأخلاق في المجتمع، فهي محل كلامه، وهي التي وردت النصوص الشرعية بوصفها بالجاهلية وبالنفاق وبنفي الإيمان الكامل أحيانًا عنها. "كتاب العبقري العملاق سيد قطب صـ 78 للأستاذ إبراهيم منير".

ع) كان يرفض فكرة تجزئة القبول بالاحتكام للإسلام في جزئية، ورفضهم الاحتكام إليه في أجزاء أخرى من قضايا المجتمع، وهناك فرق فقهى واضح بين رفض مبدأ القبول بالاحتكام إليه وبين الضعف في التنفيذ مع وجود القبول والرضى.

كان رحمه الله ينادى بالرؤية الشمولية، ومن أقواله في ذلك: "والذين يصرخون اليوم طالبين منع المرأة من الانتخاب باسم الإسلام أو منعها من العمل باسم الاسلام، أو إطالة أكمامها وذيلها باسم الإسلام، ليسمحوا لي مع تقديري لبواعثهم النبيلة أن أقول لهم: إنهم يحيلون الإسلام هزأةً وسخريةً؛ لأنهم يحصرون المشكلة كلها في مثل هذه الجزئيات.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015