كان رحمه الله في مرحلةٍ من تاريخ الأمة تواجه فيها ضغوطًا كبيرةً وهجومًا حادًّا شديدًا حول القيم الإسلامية- وخاصةً في مجال المرأة- مع غيابٍ لتطبيق الشريعة الإسلامية، وزحف للقيم الغربية على المجتمعات الإسلامية، مما أثَّر على التصورات والمفاهيم، وكانت قيم الإسلام في المجتمع تتعرض وقتها للسخرية والاستهزاء من وسائل الإعلام ومن بعض التيارات المختلفة.

فكان يرد على كل ذلك وهو يركز على البناء النفسي لكي يحدث التوازن فيه، ويرسخ فيه الثبات على هذه القيم الإسلامية مهما كان الواقع من حوله، ولهذا كان حديثه القوي عن الاستعلاء والعزلة الشعورية وعن جاهلية القيم والمفاهيم المنحرفة عن منهج الله، ولم يقصد أن يتكلم عن قضية التكفير وأحكامها الشرعية.

كان كما وصفه المستشار طارق البشري، كالمدفعية الثقيلة التي ترد على تلك الهجمة من خندق الدفاع والثبات.

كان رحمه الله يواجه محاولة تمييع القيم والمفاهيم الإسلامية واستدراج الناس إلى مسميات مضمونها فارغ من قيم الإسلام أو حتى تعارضه فكان يريد أن ينبَّه الأمة لكي تفطن إلى ذلك ولا تنخدع ولا تضفي الشرعية الإسلامية على مثل تلك الأطروحات.

توضيح بعض كلماته وآرائه

نشير هنا إلى نماذج من بعض آرائه وكتاباته التي إذا وضعناها بجوار الكتابات الأخرى يتضح لنا حقيقة ما يقصد:

أ) ففي كتاب "معالم" الذي اشتهر بأن فيه تلك الرؤية التكفيرية الانعزالية نجده في آخر صفحات الكتاب يتكلم عن الجاهلية والتعامل معها: "ليس لنا أن نجاري الجاهلية في شيء من تصوراتها، ولا في شيء من أوضاعها ولا في شيء من تقاليدها مهما يشتد ضغطها علينا، إن وظيفتنا الأولى هي إحلال التصورات الإسلامية والتقاليد الإسلامية في مكان هذه الجاهلية.

إن ضغط التصورات الاجتماعية السائدة، والتقاليد الاجتماعية الشائعة ضغط ساحق عنيف .. لا بد أن نثبت أولاً، ولا بد أن نستعلي ثانيًا، ولا بد أن نرى الجاهلية حقيقة الدرك الذي هي فيه بالقياس إلى الآفاق العليا المشرقة للحياة الإسلامية التي نريدها.

ولن يكون هذا بأن نجاري الجاهلية في بعض الخطوات، كما أنه لن يكون بأن نقاطعها الآن وننزوي عنها وننعزل، كلا .. إنما هي المخالطة مع التميز، والأخذ والعطاء مع الترفع، والصدع بالحق في مودة والاستعلاء بالإيمان في تواضع .. " (كتاب معالم في الطريق صـ 176)

ب) ومن أقواله التي نقلت عنه:

"إن مهمتنا ليست إصدار الأحكام على الناس ولكن مهمتنا تعريفهم بحقيقة لا إله إلا الله؛ لأن الناس لا يعرفون مقتضاها الحقيقي وهو التحاكم إلى شريعة الله" (من كتاب أعلام الحركة الإسلامية لعبد الله العقيل صـ 652).

جـ) كان الشهيد يرفض فرض الإسلام من أعلى على الناس، أو يستخدم العنف والقوة داخل المجتمع، وإنما السبيل للالتزام بالإسلام وإقامة الحكم الإسلامي، هو إيقاظ القلوب وتفهيم الناس وبناء القناعات الصحيحة لديهم.

فيقول رحمه الله .. "ولا بد إذن أن تبدأ الحركات الإسلامية من القاعدة، وهي إحياء مدلول العقيدة الإسلامية في القلوب والعقول، وتربية مَن يقبل هذه الدعوة وهذه المفهومات الصحيحة تربية إسلامية صحيحة .. وعدم محاولة فرض النظام الإسلامي عن طريق الاستيلاء على الحكم قبل أن تكون القاعدة المسلمة في المجتمعات هي التي تطلب النظام الإسلامي لأنها عرفته على حقيقته وتريد أن تحكم به .. " (جريدة المسلمون، من مقالة بعنوان لماذا أعدموني؟ ذكرت كلمات وكتابات له).

د) وها هو الشهيد يصف المجموعة التي تولى تربيتها عام 65، عندما تم اعتقاله تمهيدًا لإعدامه: "لقد اتفقنا على مبدأ عدم استخدام القوة لقلب نظام الحكم وفرض النظام الإسلامي من أعلى؛ لأن المطالبة بإقامة النظام الإسلامي وتحكيم شريعة الإسلام ليست هي نقطة البدء، وإنما هي نقل المجتمعات ذاتها إلى المفهومات الإسلامية الصحيحة، وتكوين قاعدة إن لم تشمل المجتمع كله، فعلى الأقل تشمل عناصر وقطاعات تملك التوجيه والتأثير في اتجاه المجتمع كله إلى الرغبة والعمل في إقامة النظام الإسلامي". (كتاب شبهات حول الفكر الإسلامي المعاصر- المستشار سالم البهنساوى صـ 237، وكتاب العبقري العملاق سيد قطب صـ83 للأستاذ إبراهيم منير).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015